ربيع حزب الله

شيء آخر يقلق «حزب الله» من انهيار النظام السوري وانقطاع حبل السرة مع هلال الممانعة الممتدّ من طهران الى غزة. شيء آخر غير استمرار تدفق السلاح في الشرايين المفتوحة وتعثُّر التدريب وغياب العمق الاستراتيجي ومناطق التخزين والإخفاء والإعداد. شيء آخر غير انتكاس المشروع الايراني الرامي الى ترسيخ أقدامه على المتوسط والتحول لاعباً اقليمياً أساسياً في المنطقة. شيء آخر غير الفتنة الطائفية والشحن المذهبي والانقسام المناطقي، وكلها عناوين شكلت جزءاً اساسياً من أسلحة النظام السوري و«حزب الله» نفسه في مواجهة الآخرين.

ما سبق، يقع في قلب الهموم اليومية للحزب ولذلك فهو يلعب بكل الاوراق دعماً للنظام الاسدي، ويصرّ على رسم خطوط تماس بين الثورة السورية وبين الطائفة الشيعية التي خطفها استجابة لضرورات الهلال الممانع، ويقطع اي طريق للعودة واللقاء والالتقاء مع المستقبل السوري بمواقف من قبيل «ما في شي بحمص» التي رسمت المجازر حدودها، ويعلن انه سيساهم ميدانياً في كل ما من شأنه حماية النظام حتى ولو فتح جبهات اخرى من جنوب لبنان الى تايلند… ولكن هناك شيء آخر يقلق قيادة «حزب الله» ايضا.السوريون وغير السوريين ثاروا على أنظمتهم لاسباب كثيرة أهمها غياب حرية التعبير والديموقراطية والمشاركة السياسية في السلطة والثروة، وأسْر الناس بالتوجيه الحزبي الواحد، والبطالة والفقر، والقمع والديكتاتورية والقرارات المقدسة التي تجعل من الزعماء أنصاف أنبياء، وتسيير البلاد بالقبضة الامنية بالتوازي مع إطلاق يد الحاشية والمحظيين والاقارب والانصار والاحباب لتعيث في الادارة فساداً وتسيطر على كل المقدرات الاقتصادية والمالية، ورحيل اي أفق مستقبلي للتنمية والمساواة والعدالة بحجة ان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وخلق أعداء «داخليين» غير العدو الحقيقي وهؤلاء بالنسبة الى النظام السوري والانظمة والاحزاب المشابهة اخطر من اسرائيل ويجب ان يعاملوا بقسوة اكبر… ألم تفرغ أجساد اطفال سورية من احشائها فيما النظام فاوض العالم سابقاً على إعادة رفات جنود اسرائيليين قضوا في حرب 1973؟

رياح الربيع العربي، «حزب الله» ليس بمنأى عنها. صحيح ان الاعتراف مطلوب وواجب ومستحق بأن قيادات في الحزب نجحت حتى الآن في الحفاظ على توازن بين الشعار والممارسة، لكن الصحيح ايضا ان قيادات اخرى استفادت من السلطة فكوّنت مباشرة او عبر أنصار وأحباب ومحظيين وأقارب ما لا يمكن للقاعدة والغالبية ان تكوّنه سواء تعلّق الامر بالثروات او بالنفوذ، ولنا في الاسماء الحزبية التي يتم تداولها عند كل تعثُّر لرجل أعمال خير مثال… او تلك التي يتندّر عليها حزبيون بالقول: «من اين له هذا لو لم يكن قريبه وزيراً او نائباً؟».
و«حزب الله» ليس في منأى عن اسئلة القاعدة للقيادة عن تبعات المواقف السياسية التي خلقت أعداء داخليين غير العدو الاسرائيلي وشحنت النفوس وغسلت العقول وصوّرت الشريك في الوطن «مشروعاً ارهابياً» سيفجر نفسه في اي لحظة بابن الحزب او الطائفة.

و«حزب الله» ليس في منأى عن اسئلة القاعدة للقيادة عن التأييد الاعمى للنظام السوري والمشاركة ربما في قمع الثورة هناك والقناعة المطلقة بان النظام «سيهزم بعض الجماعات الارهابية» خلال ايام، ففي صلب العقيدة لا قدسية لاي نظام او شخص اهم من قدسية الحياة، ولا حرمة لاي نظام او كيان اهم من حرمة الانسان… فكيف اذا كان الانسان سورياً بريئاً مضطهداً تخلى عنه العالم كله وعاداه الحزب الذي طالما فتح له قلبه قبل بابه.
و«حزب الله» ليس في منأى عن اسئلة القاعدة للقيادة عن التوجيه الواحد للتفسير، والنظرة الواحدة للامور، وهالات القدسية المنتشرة في كل قطاع وكل منصب، والتزييف المستمر للوقائع واعتبار الحقائق الاعلامية شحناً مدروساً، والضيق بالديموقراطية والرأي الآخر… ووضع اي كادر تحت الملاحظة الامنية إن هو أعطى رأياً مغايراً للرأي السائد حول التطورات داخل لبنان وخارجه.
الربيع العربي يقلق «حزب الله» ايضاً.  

السابق
المازوت مقابل نحاس
التالي
السفير: مؤتمر تونس: رسائل متباينة وأوباما يلوّح بـكل الأدوات ضد دمشق