نتنياهو بعد ميشال عون 

أما وقد تمكّن رئيس البلاد من فرض الأمن، والنظام، والاستقرار الاقتصادي، وحتى النظافة، وهزم غريمه الذي ينازعه على تمثيل المسيحيين، فقد توجّه الآن الى المعركة الأساس: حماية لبنان من عدائية نتنياهو. ولمن لا يعرف بعد، فرئيس البلاد عفيف المسلك، طاهر القلب، راغب عن السلطة، مترفع عن الدنيويات، هو وزوجته، وصهره، وكل العائلة، والمستشارون من حوله ايضاً، وبعيد عن شهوة المال، والدم، ورغبة السفر على حساب المال العام، ولكن الله قد ابتلاه ببلاد ينخرها السوس الطائفي، وفيها غريم من نوع ميشال عون، يسعى ليل نهار الى تقويض كرسي الرئاسة حتى تتصل اليه فيرمي عنها رئيسها الحالي، ودائما بشعارات عون حول الاصلاح والتغيير.
لولا وجود المنغصات من حجم ميشال عون وبعض القوى الاخرى، كحزب الله، ومن يدّعون المقاومة فيه، لعلم العالم اجمع افضال رئيس البلاد على خط المقاومة، ولكنه هو، وبعد ما تخلص من ازعاجات عون، قرر أن يلقّن رئيس حكومة العدو درساً لا ينساه، خصوصاً ان الاخير تجرأ على البلاد، التي يشكل الرئيس رمزها، تماماً كالعلم اللبناني.

ولأعوام طويلة كان ميشال عون عصياً على التطويع، فهو كان يصرّ ويركب رأسه معانداً في مكابرة شبه جوفاء، مطالباً دائماً بتعديل نظام الأشياء في البلد، اي بتعديل نظام البلد نفسه، ولا يعلم عون ان هذه البلاد قد خلقها الله على هذه الصورة، وهي ستبقى كذلك ما دامت موجودة بحماية الرئيس وصحبه، ومن ماثله، والقوى المتدبرة لأمورها وشؤونها.
لكن عون بقي يعاند، وظل يتوهم في نفسه قائد تغيير، واصلاح ايضاً، وبقي لأعوام يشعر بالنقمة على النظام الذي خانه يوماً وارتكب معصية اتفاق الطائف من دونه، ونبذه في القصر الجمهوري يواجه القصف السوري بمفرده، وبعدها نسيه في السفارة الفرنسية في بيروت لأشهر قبل نقله منفياً الى فرنسا. 
كان يمكن لعون هذا، الناقم على النظام وأبنائه، ان يشكل تحدياً خطيراً على البلاد، وأن يقلب عاليها سافلها، وأن ينتقم من اهل سلطة اتفقوا جميعاً على الحفاظ على النظام كما هو، وتوريثه من جد الى حفيد من دون تعديل، مع موافقة دائمة من الرعية، التي تبارك كل اربعة اعوام لأسيادها تقاسمهم السلطة. كان يمكن لعون ان يهدم شيئاً ما في هذا النظام، لولا ان الصراع الدائم مع اخصامه، ورئيس البلاد احد ابرزهم، اورثه أمرين: الطائفية والفساد.
هناك من زيّن لعون مهاجمة السنّة لكسب ودّ المسيحيين، وضمان اصواتهم الانتخابية، وإدامة خوفهم من الآخر، وأصبح عون مع الوقت يحمل شعارات بشير الجميّل، بعدما تخلى عنها سمير جعجع، لكن الزمن ليس زمن بشير، ولا الحرب هي ما يدور في البلاد بين مسلم ومسيحي، وتزيين التحالف مع الشيعة يزيد من عزلة الجنرال الذي يحذر من خطر السنة، والاشارة الى سيطرة السنة (اسمعوا يا ابناء اقليم الخروب وباب التبانة) على كل المكتسبات في الدولة، يغفل عن سيطرة واسعة لاطراف مذهبية اخرى على مقدرات الدولة ومشاركة فعلية لاقتسام النهب العام، وهي المشاركة التي لا تعترف بانقسام الثامن والرابع عشر من آذار، ولا بحدود المذاهب، بل تعترف فقط بالحصص، وأغرق الجنرال في طائفيته حتى باتت تلتفّ على عنقه.
هنا تفرغ رئيس البلاد الى حصد مكاسب المسيحيين، بصفته الحكم، بعدما وافق عون على مجيئه في انتخابات الدوحة بعد السابع من ايار، لكن بشرط الا يشكل كتلة سياسية وألا يكون اكثر من رئيس منزوع الانياب والمخالب.
والغرق في الطائفية ادى الى الامر الآخر: الفساد، او الحصة. فإن كان ميشال عون هو ممثل المسيحيين، والمطالب بحصتهم كما يقول ويصرخ ليل نهار، فعليه ان يدخل شريكاً في النظام، لا أن يهدد بتغييره، ولا حتى بإصلاحه، بل ان يشتري ويبيع، ويتوقف عن ادعاء الطهرانية السياسية، والدخول الى بركة الوحل حيث يسبح الكل ويتصارع الجميع. وعندها يصبح عون كأي من السياسيين اللبنانيين، يسحب من البركة نفسها وينهل من المعين نفسه، ويمكنه ان يحصل على حصته، التي لا تصرف على المواطنين بل على الازلام.
الآن وقد ارتاح رئيس البلاد الى موقع ميشال عون، وتم تطويعه، وأصبح كأي شخصية سياسية من التشكيلة الطائفية، اصبح بالامكان التفرغ للاسرائيليين، ولمن لا يعلم أيضاً وأيضاً، فإن رئيسنا مقاوم من الطراز الرفيع، سبق ان ادار الجيش في حرب تموز العام 2006، وما لم يحققه في تموز ضد الجيش المعادي، في ثكنة مرجعيون، عاد وحققه لاحقاً في مخيم نهر البارد في الشمال.
على نتنياهو أن يحذر جيداً، فالرئيس سيعمل على ايقاع خسائر معنوية شديدة بالكيان الاسرائيلي، اين منها ما اوقعه بميشال عون. 

السابق
نحن رجالك يا بشار!
التالي
علي عسيران: ما حصل في مجلس النواب بادرة خير للبنان