معادلة حسابية لسلاح المقاومة

يتحاورن من على المنابر فإذا المحاورة مشاجرة وإذا المنابر متاريس، يرفضون الحوار حول الطاولة لأنها مستطيلة، ولأنهم يختلفون على الشروط: الشروط المسبقة، أو الشروط الملحقة أو اللاّشروط، فلا نظرة، ولا ابتسامة، ولا سلام، ولا موعد، ولا لقاء، ولا… حوار.

إذا استمرت الحال هكذا يصبح من الأجدى أن يستمر الحوار من خلال المنابر، وأن يختلفوا على الهواء حتى لا يختلفوا على الأرض، ويختلفوا خارج القصر حتى لا يختلفوا في القصر وعلى القصر، وأن يختلفوا حول الجيش والشعب والمقاومة، حتى لا يُخْلِفوا الجيش والشعب والمقاومة.

المشكلة الكبرى هي حول أجناس "ملائكة السلاح"، ولو لم يكن السلاح لكان هناك "ألف ليلة وليلة" من الروايات التي تفجّر الخلافات… نحن منذ الاستقلال على الأقل كنا أبرز الاختصاصيين في توليد التصارعات، وكنا أيضاً أسوأ الأمّيين في إيجاد الحلول لها… ومنذ الاستقلال على الأقل ونحن ننتظر هذا الغائب الموعود الذي اسمه الوفاق، وهو لا يزال يبعث إلينا برسائل كاذبة، ولا نزال نفتّش عن طريق الوفاق بالطريقة نفسها التي اعتمدها كريستوف كولومبس للوصول إلى الهند، فإذا هو يصل إلى القارة الأميركية.

  إذ كان موضوع الخلاف هو هذا الذي اسمه السلاح، "زينة الرجال"، فانقسم المتحاورون حوله في معركة شرسة، فريق يطالب حتى الاستقتال بتسليمه، وفريق يفضل تسليم الروح قبل تسليم سلاحه… فإن هذا الخلاف مرشَّح لأن يستمر أربعين عاماً على الأقل على غرار ما كان بين قبيلتي تغلب وبكر في ما يعرف بحرب البسوس في الجاهلية.

لماذا إذاً لا نحاول أنْ نُبَسِّط المسألة فنسأل: أيَّ سلاح هو المطلوب أنْ يسلِّمه حزب الله؟ أستدرك فأقول: طبعاً ليس السلاح الخفيف ذلك المعروف بالكلشنكوف وما يُصنَّف بالفئة المشابهة له، فهذا النوع من السلاح متوافر في كل بيت لبناني إلى جانب "معجن" الخبز، ولم يكن في عداد الأسلحة التي انتُزعَتْ من الميليشيات بموجب اتفاق الطائف.

المطلوب إذاً أن يسلّم حزب الله السلاح الثقيل أي سلاح الصواريخ، وهذا يقودنا إلى سؤال آخر: هل إن حزب الله سيلجأ إلى استعمال السلاح الصاروخي في أي مواجهة داخلية؟ وهل طبيعة هذا السلاح تتوافق مع طبيعة الأرض في مواجهات الداخل، ما دام أن مداه يصل إلى "حيفا وما بعـد حيفا وبعد بعد حيفا؟

وهبْ أنه سلَّم سلاحه الثقيل هذا، أفلا يستطيع أن يحقق انتصاراً عسكرياً بالسلاح الخفيف إذا فرضت عليه معركة عسكرية على الصعيد الداخلي؟

انطلاقاً من هذه المعادلة الحسابية يصبح السلاح الثقيل الصاروخي:

أولاً: غير صالح للاستعمال الداخلي.

ثانيا: لا حاجة له في الاستعمال الداخلي ما دام أن السلاح الخفيف يحلّ محلّه في أي مواجهة داخلية، وما دام هذا السلاح الخفيف يحمل إجازة الاقتناء.

أرجو ألاَّ يُفسَّر هذا الاستنتاج بأني أعطي تبريراً لامتلاك حزب الله سلاحاً ثقيلاً أو خفيفاً، فأنا في المطلق مع القلم ولست مع السيف، ولا أدّعي أني "مالك" في المدينة لأصدر فتوى بتسليح حزب الله، بل أحاول أن أخفف من وطأة الكابوس الضاغط على العقل السياسي وعلى المناخ العام وشؤون الدولة والسلطة والناس، ولأنني أدرك أن للسلاح الثقيل ثقلاً من نوع آخر من حيث التوازن السياسي والمعنوي، فإني أستخلص الاستنتاج الى معادلة أرجو أن تُسْتَجاب وهي: أن يَحتَفظ حزب الله بالسلاح الخفيف إسوة بسائر الناس، على أن يوضع السلاح الصاروخي في مستودعات يختارها حزب الله نفسه ويشرف عليها الجيش اللبناني، ما دام الجيش هو الأقنوم الثاني في مثلث الشعب والجيش والمقاومة.

لعل هذا الاقتراح يكون عنواناً صالحاً لنقل الحوار من على المنابر الملتهبة إلى طاولة حوار لبنانية هادئة، بل لعلَّهُ يُجنِّبُنا خطر المواجهات ويُخرجنا من تحت طاولات الآخرين.

السابق
رومانيا تحتجز 5 لبنانيين وذووهم يناشدون سليمان
التالي
مغنية أميريكية تلغي حفلها في تل أبيب