مؤتمر تونس… ضجيج وفراغ

الاتصالات التي أجراها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف مع عدد من المسؤولين في المنطقة تضمنت شرحاً لأبعاد موقف روسيا الرافض للتدخلات الغربية في الشأن السوري، والذي أملى ممارسة حق النقض الفيتو في وجه مشروع القرار الأميركي ـ الفرنسي ـ العربي، الذي يستهدف سورية في مجلس الأمن الدولي، كما تضمّن الاتصال حسب مصادر دبلوماسية مطلعة في بيروت، تحذيراً لجميع الدول المتورطة في الحرب على سورية، من أي مغامرة عدوانية، لأن روسيا ستكون لها بالمرصاد، والتداول بين الرئيس الروسي ميدفيديف والرئيس الإيراني أحمدي نجاد تضمن أيضاً تأكيداً للموقف الروسي الذي صدر بصيغة تحذير لـ"إسرائيل" والغرب من أي مغامرة للاعتداء على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وترى المصادر الدبلوماسية، أن صيغة الانفعال التي طغت على اتصال الرئيس الروسي بالملك عبدالله بن عبد العزيز، تعكس حالة الخيبة التي تخيّم على عواصم بعض الدول العربية منذ ظهور الفيتو الروسي ـ الصيني، في مجلس الأمن.
التنسيق الروسي ـ الصيني ـ الإيراني بشأن الوضع في سورية متواصل دولياً وإقليمياً، عشية مؤتمر تونس، والذي وصفه دبلوماسي روسي بأنه مؤتمر أصدقاء الولايات المتحدة الأميركية، وليس "أصدقاء سورية".

هذا المؤتمر، يبدو أنه مجرد تظاهرة إعلامية لتصعيد الضغوط على سورية، فقد رأى عدد من الخبراء أن كلام وزير الخارجية الفرنسية ألان جوبيه الأخير عن ضرورة الحصول على موافقة الحكومة السورية لتنفيذ ما يسميه جوبيه مع وزير الخارجية التركي داوود أوغلو بالممرات الإنسانية، يحتاج أصلاً إلى موافقة الحكومة السورية، وحيث تكشف مصادر عربية واسعة الإطلاع أن السلطات السورية أحكمت قبضتها في جميع المناطق الحدودية، وباتت تسيطر على طرق التهريب، التي يتم عبرها إدخال السلاح والمسلحين إلى سورية، وخصوصاً من لبنان.

وتشير المصادر العربية إلى أن ما يحكى عن تسليح المعارضة وتمويلها، لا يضيف شيئاً بل هو مجرد ضجيج إعلامي، لأن أقصى ما في حوزة دول الناتو وحكومات قطر وتركيا من قدرة على تأمين الأسلحة والأموال لميليشيات اسطنبول، قد هرّب إلى سورية، والضجيج الإعلامي حول هذا الموضوع ليس إلا تكريساً لما هو قائم بالفعل، ومحاولة لرفع معنويات الميليشيات المسلحة، التي تشهد حالات استسلام وانهيار بعد الخسائر التي منيت بها في معاركها مع القوات الأمنية والعسكرية السورية في حمص وريف ادلب، حيث تؤكد المعلومات المتداولة في وسائل الإعلام وجود موقوفين أجانب من فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومن دول خليجية وليبيا والمغرب العربي تم إلقاء القبض عليهم في المناطق المذكورة، في حين تؤكد المعلومات ارتفاع عدد الموقوفين اللبنانيين في حمص وريف دمشق، وفي عدادهم الكثير من التكفيريين ومن محازبي أطراف لبنانية، تم الزج بهم في الأحداث السورية، وبعضهم كان مكلفاً بعمليات اغتيال واختطاف وتخريب، وفي حوزتهم خرائط وأموال.

لذلك فإن الإعلان من تونس أو من واشنطن أو من أي مكان في العالم عن قرار تسليح ما يسمى بـ"مجلس اسطنبول" لا يعني أي شيء في موازين القوى، سوى انتقال الأطراف المعنية من السر إلى العلن في هذا المجال، والمأزق الذي يواجه الحلف الغربي ـ الخليجي المعادي لسورية، يتصل بعمق الانقسامات والخلافات بين المعارضات السورية، وبالتنافس الحاصل بين الدول التي ترعى الميليشيات السورية، وخصوصاً بين فرنسا وقطر وتركيا وبريطانيا، وقد كشفت المعلومات من كواليس التحضير لمؤتمر تونس عن اليأس من إمكانية التوفيق بين الهيئات المعارضة، في حين ظهر إصرار من الجانب القطري تدعمه فرنسا لتحويل فكرة توحيد المعارضة السورية في الخارج والداخل إلى عملية تنسيب لعضوية "مجلس اسطنبول"، وهذا ما رفضه العديد من المعارضين الآخرين، كما لوحظ أيضاً في الكواليس تردد تركي واضح من الظهور في واجهة الحملة ضد سورية، وهو ما فسّره المراقبون خضوعاً لمضمون الإنذارين الروسي والإيراني اللذين تلقاهما المسؤولون الأتراك.

ويرى الخبراء أن محطة تونس ستكون مناسبة لضجيج سياسي وإعلامي ضد سورية ورئيسها ودولتها الوطنية والعبرة الأساسية هي أن الأطراف التي تقف خلف هذه "التظاهرة" تواجه طريقاً مسدودة في مجلس الأمن الدولي أحكمته روسيا والصين، بينما في الميدان تقول الوقائع إن الوقت لن يطول قبل انقلاب الصورة، وظهور معالم نجاح الدولة السورية في تصفية المعاقل الرئيسية للعصابات المسلحة، وهو ما استوحاه بعض المراقبين من كلام النائب وليد جنبلاط عن أن الغرب ينتظر ليبكي على الأطلال، والحقيقة الصارخة القادمة ستكون في ما تمثله الأوراق التي استولت عليها الدولة السورية وأمسكتها ضد الدول المتورطة وبعض الأطراف المشاركة في الحرب، خلال العمليات التي تنفذها قوات حفظ النظام على الأرض السورية، في حين يعتبر الاستفتاء على الدستور يوم الأحد المقبل محطة تأسيسية لمرحلة جديدة، تواكب نجاح الدولة الوطنية السورية في الانتقال من مرحلة تحرير المعاقل من سيطرة الإرهابيين، إلى مطاردة الفلول المندحرة لفصائل التكفير وميليشيات "مجلس اسطنبول".  

السابق
النهار: “أصدقاء سوريا” يمهلون الأسد 72 ساعة
التالي
السنيورة يريد براءة ذمّة