فتيات الـفواييه في السجن!

تعمل ريان (20 سنة) في محل للحلويات. تبدأ دوامها عند الثانية بعد الظهر وتظل حتى التاسعة مساء. هي أيضا طالبة جامعية في كلية الإعلام والتوثيق في الفنار. وتعيش في «فواييه» قرب الجامعة، كالكثيرات ممن نزحن من البقاع للتعلم في بيروت. هذا السكن يقع داخل مدرسة ملاصقة للكلية.. لكن المشكلة أنه يقفل أبوابه عند الساعة التاسعة.
ذات ليلة من ليالي الأعياد، اضطرت ريان أن تبقى في العمل حتى الساعة العاشرة، نظرا لضغط الزبائن. كانت النتيجة أن رفض الناطور أن يفتح الباب لها، برغم أنها كانت قد أعلمته سابقا بتأخرها. «اضطريت صرّخ وإطوشلو راسو وعيّط لحتى أخيرا إجا فتح وخلاني فوت!». وتتابع: «شو كنت عملت بالليل بمنطقة مقطوعة متل الفنار، وين كنت نمت؟ ع الطريق؟».

هذا الـ«فواييه» يكون مقفلا أيام الآحاد أيضا. تكمل ريان: «إذا بدنا نروح شي مشوار حتى لو بالنهار، بدنا ننطر الناطور ليجي يفتحلنا»، وتشدّد: «متل الحبس!».
كارين أيضا (22 سنة) عانت الأمرّين مع «سكن الطالبات». لكنها غادرته بعد انتهاء السنة، إذ لم تستطع تحمّل هذا الكمّ الهائل من الضغط والرقابة. فوضع الـ«فواييه» كان أكثر سوءا من سكن ريان، من ناحية الدوام أولا (يقفل في السابعة مساء)، ومن ناحية تدخّل أصحابه في حياة ساكنيه ثانيا. «كانوا يتدخلوا بكل شي. حتى أصغر الأمور، متل إذا قعدنا على التخت! والإشيا يلي ما خصن فيها كانوا بدن يعرفوها كمان. يعني أي ساعة منروح وأي ساعة منرجع، وين ما بدنا نروح بدنا ناخد إذن منهم، حتى لو كان قبل الساعة سبعة!».
تخبر كارين «شباب السفير» عن إحدى المرات التي تأخرت فيها عن العودة ساعتين. «صار مشكل مع الراهبة المشرفة يومها، وكان بدي ضبّ غراضي وفل على بيتي بلحظتها!». منذ ذلك الحين لم تعد تنام في الـ«فواييه»، بل صارت تعود يوميا إلى منزلها في البترون. «حتى لو بدّي قضّيها على الطريق، بس هيدا أفضل من إنو حدا يتحكّم فيي!».

قد يعود السبب في اختيار هذا النوع من المساكن ذات القوانين الصارمة، إلى رغبة عند الأهل بالاطمئنان على بناتهن في المدينة. سلمى مثلا (21 سنة) أتت من إحدى قرى طرابلس المحافظة وتعيش في «فواييه» لا موعد محددا لإغلاقه مساء، حيث تستطيع الخروج والعودة ساعة تشاء، إلا أن أهلها لا يعلمون ذلك. «هني مأمنين عليي، ومفكرين إني بفواييه بسكّر الساعة عشرة، وإلا ما كانوا سمحولي إبقى فيه».
هذا الـ«فواييه» هو في الواقع شقة تملكها إحدى السيدات التي تعيش في مبنى مقابل لها. «نحنا محظوظين فيها للتانت»، تؤكد سلمى وتضيف: «أي شي منعوزو دغري بتجي بتساعدنا فيه، مرة بنت معنا شقّت إيدها ونحنا ما عرفنا شو بدنا نعمل، إجت واهتمت بالموضوع وطلبت الصليب الأحمر». وتختم: «يعني ما عم نحس حالنا مغرّبين، وعلاقتنا ببعض كتير منيحة. منساعد بعض ومنستعير تياب من بعض. حلوة كثير العيشة بهيك فواييه».

هؤلاء الفتيات، اللواتي يعشن بعيدا عن الأهل، بين هموم الدراسة وأوقات العمل، لا يجدن الوقت الكافي لتحضير الطعام بأنفسهنّ. ريان مثلا تصعد كل أسبوعين مرة واحدة إلى قريتها في البقاع، وتعود محمّلة بـ«طبخات» كثيرة تقوم بتسخينها يوميا. إيميه، صبية تشاركها الغرفة نفسه، تعمد أحيانا إلى طلب «ديليفري» حين تملّ الطعام الذي تحمله معها من الجنوب. «ما في وقت كرمال نطبخ. عنا درس. وكمان مش دايماً بيكون في غاز بالفواييه».
الجو العائلي الذي تتحدث عنه كارول (21 سنة) يسيطر على حياتها داخل الـ«فواييه». تشير الى أن روح الصداقة التي تولّدت بينها وبين الفتيات الساكنات معها، عوّضت قليلا عن البعد عن العائلة، حيث بتن يتشاركن الأفراح كما الأحزان. «أوقات كثير منجيب غراض ومنحاول نحنا نحضّر أكل. أكثر شي سلطة أو إشيا خفيفة ما بتاخد كثير شغل ووقت».

من ناحية أخرى، تؤكد جنى (21 سنة) أهمية الاستقلالية التي يجب أن تتمتع بها الفتاة التي تدخل الجامعة. جنى القادمة من البقاع، تعيش في «فواييه» في منطقة روميه قرب كلية الهندسة، بعد أن منحها أهلها حريّة الاختيار. «صاحب الفواييه ما بيتدخل فينا أبدا. فينا نضهر ساعة يللي بدنا ونرجع ساعة بدنا». وكذلك في الداخل، لا قانون صارم يحكم يومياتها: «نحن مندير أمورنا، منقسّم الشغل والتنظيف مداورة على بعض، ونتساعد في كل شيء». تجربة دفعتها إلى تحمل مسؤولية أكبر كما تقول، بدءا من ثقة أهلها، وصولا إلى تعلّم العيش مع 9 فتيات «غريبات».. تحوّلن مع الوقت إلى عائلة واحدة.  

السابق
الإنترنت يهدِّد ذاكرتنا
التالي
سيرا ترأس اجتماع عسكري في الناقورة