عولمة الطبقة الوسطى

في القرن العشرين، ألهم الحلم الأميركي حول حياة الطبقات الوسطى العالم برمّته. اليوم، في القرن الواحد والعشرين نتجه بسرعة فائقة نحو عالم قائم على جغرافيا جديدة للنمو، حيث ملايين من الناس في الشرق والجنوب ينتشلون من براثن الفقر المدقع ليصبحوا مستهلكين أقوياء في صفوف الطبقة الوسطى. وبصرف النظر عمّا إذا كانت أحلام هذه الطبقة العالمية الجديدة قابلة للتحقق أو ستتحول إلى كابوس، إلا أنها تعتمد على عوامل عدّة.
في عالم اليوم المتحول، حيث الناتج المحلي الإجمالي في حوالى ثمانين دولة متقدمة يزداد بنسبة ضعف معدل النمو المحقق بالنسبة لحصة الفرد من الناتج القومي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، نجد أعضاء الطبقات الوسطى في نادي الدول الأغنى في العالم يشكون ويحتجون، وذلك بمعزل عمّا إذا كانت الثروات في هذه البلدان تتحسن أو تتراجع.

وفيما يبدو السخط من تقليص حجم الإنفاق وازدياد معدلات البطالة منطقياً، يبقى من الصعب تفهّم الاحتجاجات الراهنة في الدول سريعة النمو كتايلاند وتشيلي، اللتين تشهدان تحسناً في مستوى المعيشة.
ما الذي يجري اذاً؟
تزايد اللا مساواة، الافتقار إلى المشاركة المدنية، اللامبالاة السياسية وقلة الوظائف الجيدة المتوافرة للشباب خصوصاً، كلها عوامل تتضافر لتكشف عن نقاط ضعف نموذج النمو الحالي المعتمد في بلدان الأسواق الناشئة. وأظهر استفتاء للرأي العام حول الرفاهية الذاتية في كل من تونس وتايلند انه فيما شهدت مستويات الدخول والشروط الاجتماعية في البلدين تحسناً بين عامي 2006 و2009، إلا ان رضى المواطنين عن حياتهم تراجع.
هؤلاء المواطنون سيطالبون بخدمات أكثر وأحسن، وبقسمة أكثر عدلاً لمنافع النمو، فضلاً عن مؤسسات سياسية أكثر استجابة لحاجاتهم. قد تكون الموجة الحالية من الاحتجاجات مجرد بدايات لهذا المنحى.

في ضوء ذلك، ما الذي ينبغي فعله؟
بادئ ذي بدء، يجب استحداث حمايات اجتماعية أوسع نطاقاً. فالقسم الأكبر من منتسبي الطبقة الوسطى الناشئة ينتابهم القلق من احتمال الدفع بهم مجدداً نحو الفقر.
ثانياً، ثمة حاجة ملحة الى خلق المزيد من الوظائف، خصوصاً الجيدة منها. اذ يبلغ تعداد قوى العمل العالمية ثلاثة مليارات، حوالى الثلثين منها مستخدم بصورة غير رسمية. في تونس يزداد احتمال الوقوع في البطالة كلما ارتفع مستوى التعليم، حيث تبلغ النسبة 30 في المئة بين الأفراد الأكثر تأهيلاً، مقارنة بـ8 في المئة فقط بين الفئات الأقل تأهيلاً.
ثالثاً، من الضروري وضع عقد اجتماعي ـ يستتبع، بطبيعة الحال، خدمات أفضل ومساءلة حكومية أكبر ـ من اجل تحسين السياسات المالية وتعبئة الموارد المحلية.

أخيراً، وفيما يكتسب الربيع العربي مزيداً من الوضوح، يتبدى ان أية دولة ستحرم مواطنيها من المساحة الكافية لممارسة دورهم، وتالياً الحؤول دون تمتين الولاء لها، ستكون محكومة بعدم الاستقرار في نهاية المطاف.
ومن شأن صعود الطبقة الوسطى العالمية ان يؤدي الى تحويل المشهد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي العالمي. كما أن تعزيز تماسك المجتمعات – حيث يشعر الناس أنهم محميون وبمقدورهم الوثوق ببعضهم البعض، وحيث تكافأ على بذل الجهد ـ هذه الاعتبارات هي مفتاح تحقيق أحلام أعضاء هذه المجتمعات.  

السابق
هل يدخل حزب الله المواجهة؟
التالي
بريجيتا: لا نتوقع أكثر من ميقاتي