شباب مصر بعد سنة على تنحِّي مبارك

عام مضى على تنحي الرئيس المصري حسني مبارك في 11 شباط 2011. سنة تغير فيها الكثير في "المحروسة"، وبقي ميدان التحرير شاهداً على انتفاضة كسرت حاجز الخوف المتحكم بالمصريين منذ عقود. هل أنجزت الثورة أهدافها، أم ان الثورة المضادة هي التي تكتسب زخماً في 2012؟ ما الذي أدى الى الأحداث الدموية الأخيرة، ولمَ يعود الشباب دائماً الى الميدان لإعادة تصحيح المسار؟

حمل "نهار الشباب" أسئلته الى ناشطين مصريين، مستطلعاً معهم آفاق المرحلة المقبلة في بلاد بات ايقاع الثورة والأحداث الأمنية والتظاهرات فتات خبزها اليومي، وجعلت جعلت الكثيرين يطرحون تساؤلاً عما اذا كانت الثورة تعني الفوضى، وهل ان حصد "الاخوان المسلمين" غالبية المقاعد البرلمانية يشي بتغيير في القالب الثقافي والحضاري للمجتمع المصري. في ما يأتي آراء أربعة ناشطين مصريين يقدمون بأجوبتهم بعضاً من ملامح "مصر الجديدة"، التي تبذل جهداً مضاعفاً للتخلص من ثوبها القديم.

محمد حلمي عبد الوهاب
يقول الأكاديمي محمد حلمي عبد الوهاب إن الشباب المصريين "ما زالوا مؤمنين بأن الثورة لم تحقق أهدافها بعد، وان العام الذي مضى حوّل المرحلة الانتقالية مرحلة انتقامية بفضل تواطؤ المجلس العسكري وامتناعه عن الاستجابة لمتطلبات ثورة لم يؤمن بها وادعى أنه حماها، وهو في الحقيقة حمى قائده الأعلى (الرئيس المخلوع حسني مبارك) من الثورة وليس العكس". واعتبر ان التغيرات غير الملموسة "أهم من تلك التي تطفو على السطح. لم يعد هناك مكان للخوف في مصر، وثمة عملية خلخلة لغالبية البنى التقليدية الخاصة بالمؤسسات الدينية".
وعن الأحداث الدموية في بور سعيد، أكد ان "المسألة واضحة جداً بالنسبة الى الشباب وقد عكسوها في هتافاتهم: قتلوا الألتراس الأحرار علشان وقفوا مع الثوار.
ما حدث ليس إلا حلقة من حلقات استهداف الثوار من المجلس العسكري الذي يقود الثورة المضادة"، نافياً ان يكون الوضع حالياً "فوضى بالمعنى المباشر، بل هي مفتعلة كلما اقترب موعد تسليم السلطة بسبب خشية المجلس من المحاسبة".
وعن قدرة "الاخوان المسلمين" على "احتكار" القرار السياسي والاجتماعي، اعتبر عبد الوهاب ان الاخوان "ابتعدوا من الميدان وباتوا يتصرفون بمنطق الحزب الوطني البائد"، متوقعاً ان "يفشلوا في إدارة شؤون البلاد، وسيكتشف الجميع ان الشعارات تختلف تماماً عن الواقع"، متحدثاً عن "احتمال كبير" لقيام تحالف يجمع المجلس العسكري بـ "الاخوان" لإعداد الدستور قبل موعد الانتخابات الرئاسية "ثم التوافق على رئيس بمواصفات معينة يكفل إفلات العسكر من العقاب وبقاءهم في المشهد السياسي".

محمد ماهر
يقر الناشط والصحافي محمد ماهر بأن الوضع بعد عام على تنحي مبارك "ما زال مرتبكاً وغير مستقر على الاطلاق، والشكوك تساور المصريين في شأن خريطة الطريق التي سبق للمجلس العسكري ان أعلن انه سيقوم بموجبها بتسليم السلطة في نهاية حزيران المقبل". أما المستقبل فـ "محفوف بالأخطار، فمن جهة سيطر الاسلاميون والسلفيون على غالبية المقاعد البرلمانية، وستكون الأشهر المقبلة اختباراً عملياً لايمانهم بالحريات العامة والخاصة.
لكن الأكيد ان انهيار نظام مبارك أخلى المشهد السياسي للاسلاميين، وفشلت قوى المجتمع المدني في منافستهم، وقد نكون مقبلين على وضع أسوأ من أيام حكم مبارك".
ورغم الأمل بغد أفضل يقر ماهر بأن ما تغير قبل عام "هو رأس النظام وشكله، لكن الجوهر بقي على حاله وتركيبته لم تتبدل، مما دفع العديد من الشباب الى الايمان بأن الثورة ما زالت غير مستكملة، واتمامها لا يتم سوى ببناء مؤسسات جديدة بالكامل". ورأى ان عوامل عدة تسببت بالأحداث الأخيرة "منها التقصير الأمني وغياب النضج والوعي لدى قطاعات عريضة من الشارع المصري، الذي تقبع نسبة كبيرة من شعبه تحت خط الفقر وتعاني الأمية التعليمية، وصولاً الى غياب الرؤى الواضحة لدى غالبية التيارات السياسية".
سارة علام
لا تعتبر الصحافية سارة علام ان أمراً ما تغير بعد رحيل مبارك "فالفقر على حاله والاستبداد باقٍ، ومحكمة أمن الدولة استبدلت بالمحاكمات العسكرية للمدنيين. تنحى مبارك ليتولى مستبد آخر الحكم". وتؤكد ان المجلس العسكري هو المسؤول عن كل ما يجري في البلاد، ولاسيما الأحداث الأخيرة التي راح ضحيتها العشرات في بور سعيد "فهو يستأجر بلطجية لتصفية الثوار، ثم يحيل الأمر على لجان لتقصي الحقائق لا تعاقب أحداً. كما انه يطلق الرصاص على المتظاهرين ويقتلهم، ودائماً ما ننتظر وقوع كارثة جديدة".
في مصر اليوم "حال من الفوضى والارتباك المتعمد الذي يديره المجلس العسكري عمداً لتمديد الفترة الانتقالية والاستمرار في الحكم أطول مدة ممكنة، وانهاء الوضع الحالي رهن بانتخاب رئيس ينهي الفوضى".
لم تحقق الثورة أهدافها "طالما استمر المجلس العسكري حاكماً، فهو يتستر على مبارك ونظامه وجرائمه ويقيم له محاكمة هزلية". أما "الاخوان المسلمون" فلم يحتكروا القرار السياسي والاجتماعي "حتى الآن، ولم يلوحوا حتى تاريخه بفرض قوانين تقيد الحريات أو تنتقص منها". أما المرحلة المقبلة فتشهد "أربع سنوات من محاولة الرئيس الجديد تحقيق الاستقرار، قبل الشروع ببناء الدولة".

محمد شتا
في رأي الناشط محمد شتا "لم يتحقق شيء" بعد عام على تنحي مبارك، فلا محاكمات لقتلة الثوار، ولا الثورة حققت أهدافها "ولذا هي مستمرة رغم ان كل الوجوه الثورية اختفت. الناشطون الجدد يظهرون على الساحة بعد تحييد العديد من الناشطين السابقين، والثورة حائرة بين هؤلاء والفوضى. لن تعود أيام 25 يناير 2011 ولاسيما ان الثوريين الحقيقيين زج بهم في السجون من خلال محاكمات عسكرية، وأحد لا يسأل من هم الـ 11 ألف معتقل في سجون ما بعد الثورة".
يعيد شتا التذكير بعبارة مبارك "عليكم ان تختاروا بين الاستقرار والفوضى" في الحديث عن الأحداث الدموية الأخيرة "الجميع يتحدث عن طرف ثالث والأيدي الخفية. كلها كليشيهات مستهلكة اعلامياً. الناشطون يتهمون المجلس العسكري بالوقوف خلف أحداث بور سعيد، وسيناريو الفوضى مستمر بين نظريات اللهو الخفي وصراع الثورة"، معتبراً ان الفوضى "ستشتد الى ان يكفر البسطاء بالثورة والحرية ويخرجون في مسيرات تأييد للمجلس العسكري ليهتفوا ضد الديموقراطية. كلما اشتدت الفوضى اصبح المناخ صالحاً ليتقبل الرأي العام أي رئيس يطرحه المجلس العسكري والاخوان على شعب متعطش للاستقرار، وحينها سنودع الديموقراطية".
يغمز شتا من قناة "اتفاق ضمني" بين المجلس العسكري وجماعة "الاخوان المسلمين" سبق تنحي مبارك وسمح لهم بتحقيق ما يريدون "حصلوا على البرلمان وتخلوا عن الثورة. حصلوا على السلطة، لكن للثورة أهداف أخرى كالتطهير والعدالة الاجتماعية واسقاط فلول النظام بلا هوادة أو صفقات. الاخوان لم يشاركوا في 25 يناير، وبقوا بعيدين من 11 فبراير وغابوا عن المشهد بعدما وعدوا بالسلطة في البرلمان"، لكنهم لن يتمكنوا من احتكار القرار السياسي "فالأمور تدار في كواليس أطراف كثيرين، من العسكر الى الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، وصولاً الى رجال الأعمال والمجموعات الاقتصادية".
أما ملامح المرحلة المقبلة في مصر فهي "الفوضى والمزيد من الفوضى، الى ان يرضى الفقراء بنظام حكم يفرض عليهم ومتفق عليه مسبقاً. الاخوان حصلوا على غالبية المقاعد، وسيؤتى برئيس للجمهورية بلا انتماء صريح يكون مطمئناً للغرب ولرجال الأعمال. أما السيناريو الآخر فقد يشمل الحرب التي تلوح معالمها يميناً ويساراً. وجه المنطقة يتغير، واللحى تطلق في سبيل تصعيد مذهبي يمهد لفكرة قبول توجيه ضربة عسكرية الى ايران".  

السابق
ندوة طبية في الصرفند
التالي
الصين تأمل في حل للازمة السورية بوساطة كوفي انان