الحياة: دور وازن لبري منع غلبة فريق … ولجنة من ثمانية للنقاط العالقة

أخفق رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون في تعويض الضربة السياسية التي تلقاها باستقالة وزير العمل شربل نحاس من الحكومة اللبنانية، ولم ينجح في تأمين النصاب للجلسة التشريعية التي عقدت أمس لتسديد ضربة سياسية إلى قوى 14 آذار من خلال وقوف الأكثرية إلى جانب اقتراح القانون الرامي إلى الإجازة للحكومة إنفاق 8900 بليون ليرة لتغطية الإنفاق حتى نهاية العام الحالي والآخر المقدم من عضو تكتله النائب إبراهيم كنعان المتعلق بتصحيح الأجور وتحديد بدل النقل.

وعلى رغم أن عون حضر أمس إلى البرلمان وفي يقينه أنه قادر على القيام بانتفاضة سياسية باعتبار أن النصاب سيتأمن في الجلسة لتمرير ما يريد من اقتراحات قوانين إلا أنه فوجئ بأن حساب الأرقام الذي أجراه لضمان تأييد الأكثرية لم يكن مطابقاً لواقع حال المشهد السياسي الذي أفرزته المشاورات لتفادي إقحام المجلس النيابي في انقسام حاد يمكن أن يؤدي إلى تطيير النصاب في حال قرر النواب المضي في الجلسة وصولاً إلى حسم الاختلاف حول البندين البارزين على جدول أعمالها الأول توفير الغطاء النيابي لإنفاق الحكومة 8900 بليون ليرة والثاني تأييد التعديلات المقدمة من كنعان حول تصحيح الأجور وتحديد بدل النقل.

ومع أن رئيس المجلس نبيه بري تعهد لعون في اجتماعهما الأخير في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة أنه سيسعى لضمان تأييد غالبية النواب في الهيئة العامة لاقتراحي القانون وهذا ما التزم به أمس، رغبة منه في عدم الدخول في اختلاف مع «الجنرال»، فإنه في المقابل تميز في إدارة الجلسة ممسكاً بالعصا من منتصفها ضاغطاً في اتجاه التوفيق بين الأكثرية والمعارضة لأن لا مصلحة للبنان في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة إلا في التطلع إلى الأمام لحماية نفسه من الارتدادات السلبية لهذه التطورات على استقراره العام.

لذلك، فإن بري حرص على أن يتجنب شخصياً أن يكون طرفاً في الاختلاف، وأبدى مرونة في استيعاب الاحتقان والتأزم لئلا تتطاير الشظايا إلى خارج ساحة النجمة، وتصرف بحكمة مستفيداً من استعداد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للوصول إلى تسوية حول نقاط الاختلاف شرط أن يرعاها رئيس المجلس شخصياً، ومن الصرخة التي أطلقها رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط في مداخلته القصيرة أمام النواب في مستهل الجلسة وفيها أنه يدعم الجهود الآيلة للتوافق على تسوية من دون مواجهة أي مشكلة.

وبكلام آخر، فإن جنبلاط ترك لبري، من دون أي تحفظ، إيجاد الإطار العام للتسوية من دون أن يتحسس منه عون أو يدفعه للشعور بأنه تخلى عنه في منتصف الطريق فيما نأى نواب «حزب الله» بأنفسهم عن الانخراط في السجال الحاد الذي دار بين نواب 14 آذار وآخرين من تكتل التغيير وتولى النائب حسن فضل الله إجراء الاتصالات بالنواب الغائبين وحضّهم على الحضور إلى البرلمان لعل وجودهم يساهم في توفير النصاب.

وكان لرئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة مداخلة أمام النواب لقيت استحساناً لدى عدد من النواب في الأكثرية باستثناء أعضاء تكتل التغيير، خصوصاً النائبين إبراهيم كنعان وعباس هاشم اللذين ردا عليه بعبارات اتهامية قوبلت بامتعاض من نواب في المعارضة الذين غادر بعضهم القاعة إلى الباحة الخارجية.

لكن خروج نواب في المعارضة أتاح الفرصة أمام التواصل بين نائب رئيس المجلس فريد مكاري ووزير الصحة علي حسن خليل الذي سمع كلاماً من الأول مفاده «لم نشارك في الجلسة لتسجيل موقف اعتراضي فحسب وإنما للبحث عن مخرج لكل المشكلات العالقة».

وتولى الوزير خليل نقل موقف مكاري إلى بري فيما كان يتحدث النائب الكتائبي سامي الجميل، الذي صمت قليلاً بناء لتمني رئيس المجلس قبل أن يوعز الأخير إلى معاونه السياسي للتشاور في إمكان تشكيل لجنة وزارية – برلمانية تأخذ على عاتقها توفير المخارج لكل النقاط التي ما زالت عالقة في البرلمان.

وبالفعل توجه الوزير خليل إلى حيث يجلس النواب واقترب من عون وهمس في أذنه للوقوف على رأيه في اقتراح تشكيل لجنة مشتركة لكن النواب سمعوا كلاماً من عون أبدى فيه رفضه للاقتراح.

كما اقترب خليل من نواب كتلة «الوفاء للمقاومة» من دون أن يتسنّى للنواب الذين يجلسون على مقربة منهم رصد رد فعلهم على اقتراح بري، خصوصاً أن الأخير كان أبلغ النواب والوزراء الأعضاء في «جبهة النضال» أنه مع تمرير اقتراح القانون حول الـ8900 بليون ليرة على أن يتعهد تشكيل لجنة رباعية تتولى إيجاد مخرج للإنفاق الحكومي في عهدي حكومتي السنيورة وسعد الحريري.

وعلمت «الحياة» أن نواب «جبهة النضال» تمنوا على بري إيجاد مخرج يتناول توفير التشريع لكل الإنفاق الذي حصل من خارج الموازنات وخلافاً للقاعدة الاثني عشرية، وهم تلاقوا مع موقف قوى 14 آذار باعتبار أن من غير الجائز حصر التشريع «بمخالفة» دون الأخرى.

ولم يكن أمام بري في ضوء إحاطته بمواقف الكتل النيابية سوى التدخل مقاطعاً النائب عباس هاشم ليعلم النواب بتأجيل الجلسة إلى الخامس من الشهر المقبل من دون أن يرفق موقفه باقتراح تشكيل اللجنة.

واعتبرت المصادر النيابية أن خطوة بري كانت وازنة وجاءت في محلّها لقطع الطريق على تعطيل النصاب بخروج جميع نواب المعارضة من القاعة التي بقي فيها مروان حمادة، عماد الحوت ونواب من الكتائب وحزب «القوات اللبنانية».

وتردد أن بري أطلق إشارات مباشرة في اتجاه النواب وأخرى من خلال نواب آخرين يدعو فيها من تبقى في القاعة من نواب المعارضة إلى عدم مغادرتها.

ولم تدخل المصادر نفسها في كل ما أشيع عن أن إعلان تأجيل الجلسة فرضه افتقاد النصاب واكتفت بالقول: «فضلنا أن نترك القرار النهائي بالتأجيل لرئيس المجلس ولا صحة لما قيل من أنه جاء تتويجاً لتعطيل الجلسة».

ولفتت مصادر في المعارضة إلى أن لدى معظم النواب، في المعارضة والأكثرية، رغبة في تمديد الفرصة لبري لأنه يستشعر الخطر الداهم على البلد في حال خرج البرلمان منقسماً على نفسه ووافق على تشريع اقتراح قانون من هنا وآخر من هناك يمكن أن يصار إلى التشكيك بميثاقيتها لغياب أكثرية النواب السنّة وبالتالي سيبذل قصارى جهده بحثاً عن مخرج على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب» شرط أن يأتي مقروناً بموافقة البعض على خفض منسوب الاتهامات في خطابهم السياسي.

إلا أن رفع الجلسة أدى إلى عقد سلسلة مشاورات بدأت بين بري وميقاتي ومن ثم بين الأول وعون الذي دخل للاجتماع معه وهو متجهم الوجه ويهدد بالاستقالة من الحكومة على حد قول من كانوا ينتظرون في صالون الرئيس وبينهم حمادة وجورج عدوان.

وتردد أن تهديدات عون بالانسحاب وصلت إلى مسامع ميقاتي الذي لم يعلق مكتفياً بفرك يديه.

وتبين أن «الجنرال» تردد في التجاوب مع مرافعة بري التي كانت وراء قراره تأجيل الجلسة فيما كان الأخير يلتقي السنيورة وحمادة وعدوان.

وانتهى الاجتماع إلى تفاهم بتشكيل لجنة وزارية نيابية من الوزراء محمد الصفدي، محمد فنيش، وائل أبو فاعور ورئيسي لجنتي الإدارة والعدل روبــير غانم، والمال إبراهيم كنعان والنواب ياسين جابر، غازي يوسف وجمال الجراح.

وتقوم اللجنة بإيجاد المخارج للإنفاق من خارج الموازنات منذ حكومة السنيورة حتى الحكومة الحالية إضافة إلى دمج اقتراحي القانون المقدمين من كنعان وعضو كتلة «المستقبل» نبيل دي فريج في اقتراح واحد، وإيجاد تسوية لمشاريع القوانين العالقة والبالغ عددها 69 قانوناً التي كانت أقرتها حكومة السنيورة في ظل مقاطعة الوزراء الشــيعة لها. وعدم عقد الجلسات النيابية.

وعليه، فإن عون لم يحصل على ما كان يراهن عليه في الجلسة التشريعية، فهل سيرد بعودته إلى التهديد بالاستقالة من الحكومة أم إن قيادة «حزب الله» تتولى كعادتها ضبط إيقاعه وإقناعه بعدم جدوى الاستقالة في الوقت الحاضر؟  

السابق
اللواء: سليمان وميقاتي يعوّمان الحكومة … وعون أول الخاسرين
التالي
الراي: المعارضة اللبنانية طيّرت جلسة البرلمان والموالاة مطمئنة إلى صمود تسوية مكوناتها