الراي: عون يقبض على استقالة نحاس في انتظار… قبض الثمن

يستمر «اللعب» السياسي في بيروت في «الممرات الضيقة»، وسط الوهج العاصف للأزمة التي تزداد اشتعالاً في سورية ولـ «حممها» المكتومة، المرشحة للانفجار في «لحظة ما» في لبنان، الجار الاقرب لـ «الزلزال» الذي يتجه لاطفاء الشمعة الاولى من حراكه اللاهب منتصف الشهر المقبل.
فالحكومة التي كانت ولدت من الرحم السوري وبقوة نفوذ «حزب الله» فقدت زخمها مع تعاظم التحديات التي يواجهها نظام الرئيس السوري بشار الاسد، وها هي تلهو بالصراعات بين مكوناتها وداخل بيئتها الحاضنة، وسط مآزق داخلية لا يستهان بمجرياتها ونتائجها.
وشكلت الاستقالة «المعلقة» لوزير العمل شربل نحاس وملابساتها «عينة» لحال «التخبط» الذي دهم الاكثرية الحاكمة ومكوناتها، في لحظة اشتباك سياسي لم يكن فيه «بدل النقل» سوى رأس جبل الجليد «الساخن» المرتبط بقضايا بالغة الحساسية، من المحكمة الدولية الى ما يجري في سورية.
فالاستقالة «المزدوجة» لنحاس من تكتل «التغيير والاصلاح» الذي يتزعمه العماد ميشال عون، ومن الحكومة (التي لم يصلها بعد كتاب الاستقالة الموجود لدى عون) كشفت عن مأزق مزدوج، يعانيه عون الذي اضطر الى التضحية بوزيره للحد من خسائره وفي اطار تسوية تتيح «الافراج» عن الحكومة بعد ثلاثة اسابيع من تعليق جلساتها، وتعانيه الاكثرية الحاكمة التي تنتقل من ازمة الى ازمة على طريقة «سباق البدل».
واللافت ان الاستقالة المباغتة لنحاس، التي وضعها في تصرف العماد عون اول من امس، تسببت بارباكات لـ «خريطة الطريق» التي كان تم التفاهم عليها بين رئيس البرلمان نبيه بري وعون وموافقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والهادفة الى تعويم الحكومة بعد «تنويمها» وعبر تسوية لم تتضح مفاعيلها بعد.
وعبّرت الجلسة الاشتراعية التي عقدها البرلمان امس عن هذا الإرباك هي التي انتهت الى رفعها الى اليوم من دون بت اقتراحيْ القانون المتعلقين ببدل النقل المقدميْن من النائب ابرهيم كنعان (من كتلة عون) ونبيل دو فريج (من 14 آذار)، وذلك في ما بدا عملية «شراء وقت» من رئيس البرلمان الذي أدار محركات وساطته بكامل قوتها لمنع انهيار التوافق الذي كان أُبرم بينه وبين العماد عون والذي ذهب «ضحيته» الوزير نحاس بعدما رفض التزام مضمونه القاضي بان يوقّع مرسوم بدل النقل منفرداً ويحيله على مجلس شورى الدولة لابداء الرأي فيه وهو ما لم يفعله اذ وجّه كتاب الاحالة الى مجلس الشورى ونص مشروع المرسوم متصليْن. والعقدة التي حالت دون «قوْننة» بدل النقل تمثلت في عدم وصول كتاب استقالة نحاس الى رئاسة الحكومة للقبول بها تمهيداً لتوقيع وزير العمل بالوكالة (نقولا فتوش) مرسوم بدل النقل كمدخل ليوافق رئيس الحكومة على النظر في تشريع بدل النقل بموجب قانون.
وبدا واضحاً ان اشكالية مَن يسبق مَن «البيضة او الدجاجة» انتقلت من هل يتم توقيع مرسوم بدل النقل قبل تشريعه الى هل يرفع عون كتاب الاستقالة لبتّه قبل إقرار اقتراح القانون المقدّم من النائب كنعان؟
وقد تقاطعت المعلومات عند ان العماد عون «يقبض» على استقالة نحاس ويرفض «الإفراج عنها» قبل أن يضمن قبْض الثمن الذي «قطع رأس» وزير العمل من أجله، وذلك من خلال تمرير اقتراح القانون المقدّم من كنعان، علماً ان بعض التقارير لمّح الى ربط احالة الاستقالة على رئاسة الحكومة بحصول توافق وان «بالأحرف الاولى» على التعيينات المقبلة وتحديداً في رئاسة مجلس القضاء الأعلى.
ونُقل عن مصادر في تكتل عون «ان الاستقالة حصلت وان اقتراح القانون المقدم يفترض ان يحصل على الاكثرية في مجلس النواب، وهنا يترجم الالتزام من الاكثرية اذا كان جدياً وعندها تأخذ الاستقالة مسارها والا فان العلاقة ستكون على المحك وليس فقط الاستقالة».
وانطلاقاً من هذا المعطى، سعى بري الذي اجتمع امس قبل بدء الجلسة التشريعية الى رئيس الحكومة وبعدها الى وزير الطاقة جبران باسيل (صهر عون) والنائب كنعان الى تأمين مخرج يضمن حصول اقتراح كنعان على الأكثرية في البرلمان (وسط غموض في موقف النائب وليد جنبلاط وكتلته حياله) او المزاوجة بينه وبين اقتراح دو فريج. علماً ان اقتراح النائب في كتلة عون يلقى اعتراضاً كبيراً من الهيئات الاقتصادية عليه (يتضمن ادخال بدل النقل في تعويض نهاية الخدمة) فيما تميل كتل المعارضة إلى تأييد اقتراح دو فريج (يجيز للحكومة تحديد بدل النقل) الذي تعتبر انه طبق اتفاقية منظمة العمل الدولية، التي تنص على انه عندما يتفق أرباب العمل والعمال، فلا يحق للحكومة أن تتدخل، طبقاً لمبدأ التفاوض الجماعي، والا يصبح الاقتصاد اللبناني موجهاً.
وترافق انعقاد الجلسة مع اجواء اوحت ان بري، كان امام خيارين في ضوء عدم وصول كتاب استقالة نحاس الى رئاسة الحكومة هي إما ارجاء الجلسة او نقض الاقتراحين المقدمين والاتفاق على العودة الى الحكومة لصوغ مشروع بديل يتم التوافق عليه، وقاعدته اتفاق بعبدا مع الهيئات الاقتصادية.
وكانت الجلسة التشريعة استُهلت بالاوراق الواردة التي تطرّقت الى عناوين سياسية غالبيها تركّزت على الازمة السورية وتداعياتها اللبنانية واداء الحكومة حيالها.
و فيما شكر النائب مروان حماده (من 14 آذار) رئيس الجمهورية «لأخذه علما بالتمديد لعمل المحكمة الدولية التي ستكشف فصولاً جديدة في جرائم الاغتيال»، سأل «أين الحكومة من اصدقاء سورية، ومن حرية الاعلام ومن مخابرات الشمال ومركزي حلبا وانفة وأحد الضباط من رتبة رائد يعرض على الصحافيين اعطاءهم نسخا عن الافلام والمقالات عن النازحين السوريين قبل نشرها».
واعتبر النائب اكرم شهيّب (من كتلة جنبلاط) ان سياسة النأي بالنفس «هي رؤية وغير ممكنة، فالبلد يغوص في الهم والمأساة السورية امامنا، ولا بد من مساعدة هذا الشعب الذي فتح لنا بيوته اثناء معاناتنا. الخطر على لبنان ان ينأى في مثل هذا الواقع، وعندما نقول ان سورية شقيقة انما هو تعبير عن موقع انساني معاش ودائم. فالشعب السوري هو الثابت والنظام هو المتغير ويجب ان لا نكافىء هذا الشعب بالنأي بالنفس».
كما لفت النائب زياد القادري (من كتلة الرئيس سعد الحريري) الى «ان من المعيب أن تساهم الحكومة في حصار مئات العائلات السورية في أكثر من منطقة لبنانية، وخصوصا في البقاع (…) والحكومة في «كوما»، تنأى بنفسها عنهم، ولا تقدم لهم، أقل الممكن، قطرة ماء أو وجبة طعام».
في المقابل، اعلن نائب «حزب الله» نواف الموسوي ان «النأي بالنفس هو عن الرهانات وعن كل ما يجنّب لبنان الفتنة»، في حين رأى النائب غازي زعيتر (من كتلة بري) ان التركيز يجب ان يكون على عناصر الجيش السوري الحر» الموجودين في لبنان والذين يظهرون في وادي خالد ويقومون باعمال من الاراضي اللبنانية. 

السابق
حكومة الملل
التالي
لعب مع الكبار