أزمة وزير أم ازمة بلد؟!

خلط الأوراق الذي دخل فيه لبنان خلال الأسبوع الجاري على أثر الخلاف الذي نشب على خلفية توقيع مرسوم بدل النقل، وما تبعه من ارتدادات، إن داخل "البيت الواحد" أو بين "الحلفاء" أو بين "السلطة" و"المعارضة" أو الأكثرية" و"الأقلية"، وحتى عند ما بينهما من "وسطية" مدعاة، يشيران الى جملة أمور أهمها أن لا استراتيجية واضحة لدى أي من الأطراف في لبنان، كما ان أحدا منها لا يملك رؤية حقيقية لما يمكن أن ينعكس على شرائح المجتمع في معيشتها، أو حتى في رسم إطار شامل لمستقبلها على ضوء "الصراع" الذي يخاض في المنطقة وتالياً في لبنان، والمدى الذي يمكن أن يتأثر فيه هذا البلد بموجب الحروب القائمة فيها.

فاجأ وزير العمل شربل نحاس الجميع بإصراره على الاستقالة من دون مراعاة أحد حتى من أتى به الى الحكومة، ذلك انه كان مستعدا منذ ما قبل توليه مهامه الوزارية لأن يخطو خطوات يعتبرها بخلفيته الأيديولوجية مهمة لحياة المجتمع والناس في بلده، وهي شكلت محور الأهداف التي عمل عليها منذ اللحظة الأولى. كان ذلك واضحاً في اداء الوزير في مجمل الملفات التي عمل عليها، وصولا الى زيادة الرواتب وما نتج منها من ملابسات أوصلت الأمور الى ما هي عليه اليوم، لاسيما في إدارة مجلس الوزراء والصيغ التي تحكم العلاقات بين الرؤساء وتحديدا رئيسي الجمهورية والحكومة اللذين اصطفا في وجه الوزير انطلاقاً من منظومة المصالح التي تجمعهما في الأعمال وفي السياسة غير البعيدة عن منطق التوظيف الخاص.
لكن ما الذي حدث حتى تصل الأمور الى هذا الدرك وتُحَمَّل مسؤوليته الى الوزير في حين أنه لم يفعل شيئاً سوى انه تمسك برأيه من الناحيتين العلمية والقانونية، وصولا الى رهانه على أن الدستور كفيل بإنصافه بقراره عندما طلب اقتران توقيعه بإحالة الملف على مجلس شورى الدولة.

تتجه الأنظار الى الاجتماع الذي حصل في عين التينة بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون وما دار فيه من تدوير للزوايا بحيث "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، وهو اجتماع جاء بعد اجتماع هام عقد بين "مايسترو" البرلمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أوحى للرئيس نبيه بري انه على استعداد لتقديم ما يطلبه "العماد" مقابل تسوية هذا الملف الذي اصبح يشكل حرب إرادات بين الوزير من جهة، ورئيسي الجمهورية والحكومة من جهة ثانية ومعهما الهيئات الاقتصادية التي استطاعت أن تجد قاسماً مشتركاً مع الاتحاد العمالي العام: "عدوها اللدود"، يتمثل بعداوتها مع الوزير نحاس نفسه.  ما قدمه رئيس الحكومة للعماد عون عبر الرئيس بري هو تسهيل ما كان معقداً من تعيينات إدارية مدنية وعسكرية وملء شواغر وفك القيد عن مجموعة من المشاريع التي كانت متوقفة على ابواب مدراء عامين ليسوا محسوبين على التيار الوطني الحر أو على الأكثرية، في حين أن حمايتهم مؤمنة من قبل القوانين المرعية ومن رئيس الحكومة الطامح لرضى فريقهم السياسي أي الأقلية بكل توازناتها السياسية والطائفية والمذهبية، الأمر الذي وجد فيه العماد مخرجاً لكل ما ناضل من أجله على مدى سنوات لا سيما بعدما انقلبت الأكثريات، ورأى أن ما عرض عليه سيؤدي بطريقة أو باخرى الى ما ينادي به نحاس ولو بعد حين، لكن الأولوية هي لتصحيح وضع شاذ يقتضيه التغيير والاصلاح ومحاربة الفساد وتغيير وجه الدولة بما يخدم التوجه السياسي لهذا الطرف.
تقول مصادر سياسية مطلعة إن ما جرى لم يكن مؤامرة على الوزير نحاس ولا هو تسوية على حسابه، بل إطاراً لوضع القطار على سكة الإصلاح، بعدما شكل ملف الأجور وتداعياته السياسية والإدارية والدستورية مدخلا لإخضاع رأسي السلطة التنفيذية بعدما وجدا أن الحكومة باتت على شفير التعطيل.

تشير المصادر هنا الى أنه ليس صحيحاً أن فرط الحكومة أو تعطيلها لا يشكل ضغطاً على رئيسها وفريقه السياسي في الداخل والخارج بما تنطوي عليه هذه الكلمة، بل الصحيح هو أنه إذا كانت الأكثرية تخاف من سقوط الحكومة باعتبارها في عهدتها، فإن توازنات داخلية وخارجية بأمها وابيها ستختل في ظل التوتر السياسي الحاصل في المنطقة لا سيما في سورية لأن الأقلية أو المعارضة ومن خلفهما يعلمون أن ما تؤمنه هذه الحكومة من توازنات لا يمكن أن يتحقق في إطار آخر إذا ما أطيح بها، ولأن الاكثرية بما تملك من أوراق وقوة قادرة على سحب كل أوراق الآخرين بينما ما زالت الحاجة ملحة لما هو قائم حالياً.

السؤال الذي يطرح نفسه في ظل الإرباك الذي حصل على خلفية "أزمة نحاس"، هو هل أن أطراف الأكثرية باتوا على دراية بما يتوجب عليهم تجاه المجتمع بكل فئاته بعيداً من الاطماع السياسية بالدرجة الاولى؟ وهل أن تلك الأطراف باتت تعي ما هي مسؤولياتها في ظل التحولات التي تجري في المنطقة، وهي جاهزة لتوظيف ما تحققه من "انتصارات" في إدارة معركة سياسية بعيدة عن التسويات لا سيما بعدما برزت نوايا الآخرين في حال كسبوا معركتهم؟
"أزمة نحاس" تطرح الكثير من الأسئلة حول المستقبل الذي سنواجهه جميعاً بعدما اقترب تحقيق الإنجاز الثاني في سورية في الحرب الدولية عليها، فلعلنا لا نخطئ كما أخطأنا في المرة الأولى بعد حرب تموز 2006.  

السابق
المفتي الشعار: الفريق المستقوي على أهل بلده بالسلاح يصدره الى طرابلس
التالي
فتوش وقع على مرسوم بدل النقل