كلام في المعارضة السورية المسلحة

رغم كل ما كتب وقيل للنظام السوري من تنبيهات عن أن ثورة الياسمين آتية وموعدها الربيع, لأن صندوق بندورته الفاسد ليس استثناءً عن صناديق الفساد في بلاد الأنظمة الشمولية من حزب محنط قائد, إلى عائلة يعتبرها البعض مقدسة وقرابات "شفيطة" ونهابين مسنودين, إلى القوانين القامعة للحريات وقوانين الطوارئ والمحاكم الاستثنائية الأمنية والعسكرية, فإن صلف النظام وغروره منعاه من أن يستشرف ساعته الآتية والعاصفة المقبلة معتبراً نظامه بمقاومته وممانعته عصياً غير أمثاله من الظالمين والمفترين.

وإنما إذا عرفنا أن أكبر فراعنة التاريخ مع كل حساباته واحتياطاته وفتكه وقتله, كانت نهايته على يد طفل ألقته أمه في اليم أملاً أن تُكتب له الحياة, فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحَزَناً من حيث لم يحتسبوا, فإن أكبر الأنظمة الفاشية في العصر الحديث, وبيد ولده المدلل عاطف نجيب أشعل ببعض قَبَسٍ من إجرام سادته فتيل ثورة شعبية في عموم سورية, بإشعاله قشةً في أكوام يابسة من قمع السوريين وقهرهم وإذلالهم لعشرات السنين, أوقعته في شر أعماله من حيث لم يحتسب وكان قدراً مقدوراً.
تجبر النظام وتألهه جعلاه يستخدم القوة الباطشة منذ الساعات الأولى في قمع تظاهرات واحتجاجات مواطنيه قتلاً وسفكاً للدماء, ولكن كثرة القتل والإيغال في دم المتظاهرين وضعت ضباط الجيش وعناصره في امتحان أخلاقي خطير ومعقد, عندما بات حماةُ الوطن ومواطنيه يقتلون مواطنهم لا لذنب سوى أنه خرج إلى الشارع مسالماً يطالب بحرية سليبة وكرامة مفتقدة, وكان الامتحان يبلغ ذروته عند فظائع الجرائم والتوحش فيها. وعليه, فليس سراً أن قلة من العسكريين السوريين ومنذ الأيام الأولى للامتحان قد نجحوا وانحازوا إلى ضميرهم وأخلاقهم وشرفهم, ورفضوا أوامر إطلاق النار على ناسهم ومواطنيهم, فكان جزاؤهم أن يُقتلوا ويُرسلوا إلى أهلهم أيضاً شهداء باعتبارهم قتلى مندسيين وعصابات مسلحة.

ضخامة الامتحان وطول مدته وكثرة الممتَحنين أسسا بفعل النظام نفسه ودمويته إلى بداية انشقاق علني في الجيش, أصحابه ملاحَقون ويراد تصفيتهم لرفضهم طاعة الأوامر بقتل الناس, ومن ثم بات خيارهم كرهاً هو المواجهة مع أخوة سلاح الأمس, وعلى طريق اللاعودة أيضاً. وعليه, فلئن بدأت الانشقاقات فردية وقليلة نسبياً, ولكن مع الأيام غدت كثيرة وعددها ليس أقل من عشرين ألفاً من مجموعات الضباط الأحرار والجيش الحر وغير ذلك, ممن يتهمهم النظام ويخونهم ويسميهم معارضة مسلحة, وهم في حقيقتهم ليسوا إلا جنوده وضباطه وعسكرييه الذين تربوا في ثكناته, وتدربوا على أسلحته, وإنما أخلاقهم ونخوتهم وشهامتهم وشرفهم منعهم من أن يخونوا قَسَمَهم ويقترفوا الخيانة بقتلهم لشعبهم, فكان ماكان من أمرهم وشأنهم, وليقع النظام الدموي الجزار ثانيةً في شر أعماله عندما دفع بيديه وبممارساته إلى إيجاد معارضة عسكرية مسلحة أمست رديفةً لثورة شعبية مدنية مسالمة.

وعليه, فلئن مضت ثورة الياسمين السورية باستمرار تظاهراتها واحتجاجاتها وشعاراتها في وجه ديكتاتورية النظام ودمويته وفساده, "الموت ولا المذلة", والشعب السوري مابنيذل وسورية لنا ومش لبيت الأسد, فإن رجالات القوات المسلحة المنشقين أعطوا العهد بوطنيتهم وشرفهم وإبائهم والقسم في استمرار دفاعهم عن المدنيين من شعبهم حتى سقوط النظام السفاح ورحيله. فتحية لكل مواطنينا الأحرار من ثورتنا الشعبية المدنية المسالمة, ومعهم كل رجالات قواتنا الشرفاء من الجيش الحر والضباط الأحرار.  

السابق
سورية: الأصدقاء والإستفتاء
التالي
مي سكاف: اريد استرجاع ما تبرعت به في حرب تموز… والردّ كرتونة من الملابس والاحذية