شعب سوريا..

لا رتابة في الثورة السورية يا اخوان، بل تعاقب مدهش للحوادث يليق بالتاريخ وصنعته وحرفته.
والرتابة في كل حال، ليست من سِمات الانفجارات الشعبية الهادرة والشاملة، وليست من سِمات المواجهات المفتوحة القريبة من حالات الحروب الأهلية، على غرار ما تحاول السلطة الدمشقية ان تفعله بدأب محموم.
ولا تكفّ ثورة السوريين عن إدهاش المتفرجين عليها مثلما لا تكفّ عن إدهاش السلطة، وعن تبخيس وتفطيس حساباتها ومحاولاتها ودمويتها… وهي بالمعنى المباشر، ثورة مكتملة المواصفات في حجمها وبرنامجها وشعاراتها وآلياتها: لا أنصاف حلول عندها، ولا تراخي في حركتها، ولا ضمور في انتشارها، ولا تراجع أمام محاولات ضربها، ولا التباسات في أهدافها، ولا غموض في سياساتها.
يومها واضح، وغدها صنوه في الوضوح. وحاضرها يُحدِّد مستقبلها، وفيه ان الماضي اندثر مرة واحدة والى الأبد.
يتذكر كثيرون البدايات في درعا وجوارها وأهلها. حيث كان الخفر الشديد سِمة جامعة لكل من أطل على ما حصل آنذاك: قلّة رأت ان السد تخلخل. وقلّة افترضت ان الجهاز السلطوي السوري يمكن له أن يهتز مثلما حصل في تونس ومصر. وكثرة اجتمعت على القول والتفصيل، ان التوليفة التي ركّبتها سلطة البعث على مدى العقود الماضية، تجعل الإستحالة رديفة أي حركة مضادة لها.

توليفة الأمن والانتشار الحزبي في الأرياف خصوصاً. وهرمية الجيش وبنيته وأدلجته. والغلو في شعار الممانعة في مجتمع مفطور على العداء لإسرائيل. والغلو في العروبة في مجتمع تعوّد على مركزيته ومحوريته في تلك الانشودة الموحّدة، ثم شطارة في تجميع خيوط علاقات خارجية متناقضة في ظاهرها. والقدرة على تسويق "الحاجة" الى أدوارها وضوابطها. والتفنن في الاستفادة من ظاهرة الارهاب وفي الوقت نفسه تسويق الخدمات في كيفية مواجهته.. ثم الأساس المتين الخاص بالالتزام التام الذي لا تشوبه شائبة واحدة باستقرار الحدود مع إسرائيل، ولا شائبة حتى لو كانت عرضية على مدى 40 عاماً!.. ثم في موازاة كل ذلك، كله دفعة واحدة، كانت "أمثولة" حماه حاضرة في مقدم الأسباب المعروضة لافتراض إستحالة التحرك الناجح ضد السلطة، حيث انها كانت تتويجاً لترجمة المقولة الذهبية المعتمدة التي تفيد بأن سلطة الأسد بَنَت ركائزها على الخوف وليس على القبول.. بين سلطة يخشاها الناس، وسلطة "يحبّها" الناس، أُخذت الأولى، واشتُغل على الثانية. والحصاد كان وفيراً وامتد على مدى خمسة عقود كانت في جملتها، مجبولة بعنف بطّاش عملي ونظري لا سقف له.. وحماه تلك أمثولته الفضلى.
..فاجأ الجميعَ شعبُ سوريا، ولا يزال يفاجئ القريب والبعيد من دون كلل.. تدكّ السلطة درعا فتنفجر جسر الشغور، تدكّ جسر الشغور فتنفجر حماه، تدكّ حماه فتنفجر حمص، تدكّ حمص فتنفجر دمشق، وفيها مع حلب، الخبر اليقين والأخير!

  

السابق
اسرائيل تحفر خندقاً بطول 500 متر قبالة عيترون
التالي
وليد جنبلاط