حمص تحترق والنظام الى زوال

أحيلت مسؤولية تأجيج الفتن واستثارة النوازع الطائفية، الى ما يُسمى بـ “مخابرات القوى الجوية” التي تأتمر تقليدياً برأس هرم النظام الإجرامي. وبوشرت عملية الاستثارة، بمفاعيل هذه المخابرات، من خلال رفع وتيرة القصف بلا تمييز، وبخاصة في حمص وجبل الزاوية (جبل أريحا) في منطقة إدلب، لكي تزداد أعداد القتلى من النساء والأطفال، وبهدف توجيه رسالتين غاية في الغباء، واحدة للخارج، تؤكد على أن النظام لن يتراجع، وبالتالي يتعين على الضاغطين الذين يعزلون النظام المجرم، أن يفتشوا عن حل سياسي، يوقف هذه المجازر، أما الثانية، فهي كسب التفاف الطائفة النصيرية (العلوية) حول النظام وهو يشن حرب البقاء، والإيحاء بأن ثأراً انتقامياً، سوف يطال الطائفة برمتها، في حال سقوط هذا النظام!

في هذا السياق، يقترف المجرمون الحاكمون وأتباعهم، عمليات قتل بشعة بالغة القذارة، بقصد اختلاق فتنة مرعبة، ووضع عناصر وأسباب للحرب الأهلية المديدة، ظناً من النظام، بأن انجراف البلد الى مثل هذه المصيبة المهولة، من شأنه أن يجعل الآخرين في الخارج، ومعهم آخرون في الداخل، يستغيثون ببشار الأسد للإسهام في إيقافها مقابل بقائه. ويتجاهل النظام المتخلف الغارق في دم شعبه، أن سوريا التي يتشدق بكلمات الحرص عليها، لن تعود ببقائه، الى حال الوئام الاجتماعي والى وحدة وجدانها الشعبي، بعد أن صبر السوريون على الاستبداد طويلاً، وبدا واضحاً أن هذا النظام، الذي قام واستمر فوق جماجم ضحاياه، لن يتغير ولا يتبدل، وأن لا خيارات أمام الأسرة التي عُرفت بفسادها وسفالة حكمها، إلا خيار الرحيل، حفظاً لرؤوس أشخاصها وأزلامها، وتلافياً لحرمان هؤلاء الأشخاص والأزلام، من شرف الحصول على قبور في وطنهم المبتلى بالطاعون المزمن، الذي يمثلونه بامتياز! السوريون الذين طالبوا بالديمقراطية وبالتغيير، لم تعد أولويتهم الحصول على الديمقراطية والتغيير، بل الأولوية باتت تنحصر في مطلب إنقاذهم وزوال النظام، حتى لو جاء الشياطين لكي يحكموا. مشهد الحرب التي يشنها النظام الآن، يدل على أن الحاكمين الفاقدين لشرعيتهم، يطمحون الى كسر إرادة الشعب وتخويفه، من خلال رفع وتيرة القتل اليومي الى مئة أو أكثر. لكن ألف باء السياسة عند العقلاء، تقول إن من سابع المستحيلات، أن يتمكن نظام من حكم الشعب الذي هُدمت بأيديه الدور على رؤوس ساكنيها، وقُتل منه الناس بلا تمييز، أطفالاً وشيوخاً ونساء آمنين. والنظام الملطخة أيديه بداء السوريين، ما زال ينكر وجود الشعب. فلا حديث له، إلا عن “عصابات إرهابية” وعن تدخلات خارجية، بينما شاشات التلفزة تعرض صور الضحايا والتظاهرات السلمية لمجاميع الناس المجردين من السلاح، وبعض هذه التظاهرات جرت في المزة بدمشق، وحيثما يمكن رؤيتها من شرفة قصر الحاكم.

إن سوريا تحترق، وليس هناك من مُغيث إلا إرادة السوريين في الاستمرار في الثورة، حتى إسقاط النظام. وهذا الأخير، لفرط جنونه وسفالته، بدل أن يخلع سريعاً ويترك بعض العناصر التي تساعد السوريين على العودة الى وئامهم المعهود، والى وحدة الأراضي والمجتمع؛ نراه يُمعن في القتل، ويتلقى دعماً خارجياً، في الوقت الذي يتهم فيه الشعب الذي لا نصير له مستعداً للتدخل؛ بأنه هو الذي يستحث الغزو الأجنبي.
المعتوهون يتصورون ان الوطن والمجتمع، يمكن أن يُعاد اختصارهما في أسرة تحكم وراثياً، تؤازرها منظومة بطش مع منظومة فساد تستحوذ على مقدرات البلاد وسوقها. ويجهل هؤلاء أن لا مناص من العودة الى وضعية التسلط وتعليله بأفكار غامضة، لا تضمن للسوريين الحرية والكرامة والعدالة.

الحاكمون يفتعلون الدسائس ويمارسون نوعين من القتل، واحد بالقصف المباشر الذي تلتقط كاميرات هواتف المواطنين بعض لقطاته، والآخر بالقتل الذي يتوخى الفتنة وتخويف الطائفة النصيرية (العلوية) من كابوس الانتقام. هذا القتل الثاني، يستهدف مواطنين في المساحة الرمادية، اتخذوا موقفاً وسطياً، ويطال كل من لم يحسم أمره لصالح النظام من شخصيات المجتمع ورموزه وكبار موظفيه وكوادره. يُقتل هؤلاء ثم يصدر البيان بأن مجموعات إرهابية قد استهدفتهم. الهدف هو تجييش القواعد الاجتماعية للضحايا، على قاعدة أن الموت يستهدفهم بسبب حيادهم، قادماً من مواقع الطرف الآخر.

سوريا ذاهبة الى انزلاق أكبر من أن تستوعبه لهاوية، وكل ذلك بأيدي نظام ما زال يتذرع بالحفاظ على سوريا وبأنه المتيّم بحب سوريا، ومسكون بالخشية من تقسيمها ومن سقوطها في وحل الحرب الأهلية. يؤسس للحرب الأهلية، ويقتل أهل سوريا، ويتخذ من سفك دمائهم استراتيجية للبقاء، ويختلق الفتن، ويزهق أرواح الأطفال أحباب الله، ثم يتواقح فيتغنى بسوريا ويتشدق بمزاعم الحرص عليها.
مهما فعل، فإنه ساقط ساقط حتى ولو أخمد الثورة, فما بالنا وهو لن يخمدها. وسنحتفل قريباً بيوم النصر وبيوم القصاص ممن استباحوا دم الشعب، ومن قتلوا الأحرار، كالقائد العسكري الفلسطيني الفذ سعد صايل، والقائد الوطني والقومي كمال جنبلاط، والكاتب الثوري سمير قصير، وآخرين كُثر تشملهم سجلات أسماء ضحاياهم! 

السابق
لا تقلقوا على المستقبل
التالي
سرقة سيارة في بئر العبد والاعتداء على مواطن في برج البراجنة