القوات الأميركية في أفغانستان إلى ما بعد 2014

أثارت تصريحات وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، الشهر الحالي عن تحول مهمة القوات الأميركية في أفغانستان إلى مهمة استشارية، سوء تفاهم كبيرا. وأشارت التقارير الإعلامية حول تعليقات بانيتا إلى أن هذا يعني تعجيل القوات الأميركية انسحابها من تلك الدولة، في الوقت الذي لم يتخذ فيه البيت الأبيض أي قرار في هذا الصدد، وما زالت الاستراتيجية الأساسية للانتقال كما هي ولم تتغير.
وما زاد من حالة الارتباك سوء الفهم من جانب الرأي العام للسياسة الأميركية الحالية تجاه أفغانستان، والتي تتمثل أهم استراتيجية بها في تسليم «المسؤولية الأمنية» إلى الأفغان في نهاية عام 2014. ولا يعد تسليم المسؤولية الأمنية بمثابة جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية بالكامل، بل السياسة هي أن يتولى الأفغان الجانب الأكبر من المسؤولية الأمنية بعد عام 2014، في ظل وجود مستشارين من الخارج في العمليات الأمنية. ولا يزال من المتوقع أن تستمر القوات الأميركية في تقديم الدعم الجوي والمدفعية والإخلاء الطبي والدعم اللوجيستي بعد عام 2014 لعدم القدرة على توفير هذه الخدمات قبل عام 2016 على الأقل. سيتغير دور الولايات المتحدة، لكن من الضروري أن ندرك أنه أثناء التحول إلى مهمة هدفها بالأساس تقديم المشورة والدعم، أيا كانت المسميات، ستظل قواتنا منخرطة في العمليات القتالية على أرض الواقع قبل وأثناء وبعد عام 2014.

أوضح بانيتا هذا الطرح في الرابع من فبراير (شباط) خلال مؤتمر ميونيخ للأمن حين قال: «سنظل منخرطين في العمليات القتالية مع الأفغان كلما استدعى الأمر» بعد عام 2014.
لذا تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها قضيتين مهمتين؛ الأولى والتي ركز عليها بانيتا هي كيفية تسليم المسؤولية الأمنية بنجاح، والقضية الثانية تتضمن تأمين أفغانستان بعد تسليم المسؤولية الأمنية. وفي الوقت الذي حققت فيه قوات المساعدة الدولية التابعة لحلف شمال الأطلسي نجاحا ملموسا في جنوب أفغانستان، لم تفعل ذلك في شرق البلاد، حيث يسيطر المتمردون على بعض المناطق هناك رغم نفي قوات الأمن هذا القول، ويجب أن تسبق عمليات قوات المساعدة أي تسليم للمسؤولية الأمنية. ويجب تعديل استراتيجية تسليم المسؤولية الأمنية للتوافق مع هذه المواقف المختلفة، ففي بعض المناطق سيكون للأفغان حق قيادة العمليات الأمنية دون التخلي عن استشارة الولايات المتحدة مع وجود تشكيلات قتالية أميركية أكبر لتقديم الدعم عند الحاجة. أما في المناطق الأخرى التي تحتاج إلى عمليات أكثر قوة من أجل تطهيرها، ستستمر القوات الأميركية في قيادة المهام الأمنية لبعض الوقت.

يجب أن يبدأ تبادل الأدوار التدريجي الذي أشار إليه بانيتا قبل عام 2014 لأن ذلك سيحتاج إلى تنسيق وتناغم خلال كل الخطوات. وسيتعين على المسؤولين الأميركيين تسليم المسؤوليات إلى القوات الأفغانية التي لن تكون في مستوى كفاءة القوات الأميركية ليمنحوها فرصة لارتكاب الأخطاء، لكن مع دعمهم في حال حدوث أي مشكلات. وسيكون الجنود الأفغان على ثقة في الحصول على المساعدة في حال تطور الأمور إلى الأسوأ. وفي الوقت الذي يجب فيه دفع الأفغان نحو تحمل المسؤولية، من المحتمل أن تبوء جهودهم بالفشل إذا لم تأخذ العملية وقتها الكافي ويتم التعجيل بتحميل الجنود الذين يفتقرون إلى الخبرة المسؤولية.

على مدى السنوات الثلاث المقبلة، سيتعين على القادة العسكريين التمتع بمرونة في تحديد مكان وموعد تسليم المسؤولية الأمنية، وكذلك أماكن وجود قوات المساعدة للتعامل مع الأخطاء الحتمية أو مواجهة انتصار العدو. وتتطلب هذه القرارات الصعبة احتياطي قوات مرنا، لهذا تحتاج وزارة الدفاع بقاء 68 ألف فرد من القوات الأميركية في أفغانستان بعد الانسحاب المقرر أن يتم العام الحالي. ويجب أن تكون تلك القرارات الخاصة بالعمليات على أساس الواقع لا على أساس جدول زمني نظري.
ولم يقرر البيت الأبيض عدد القوات التي ستظل في أفغانستان بعد عام 2012، لكن تتطلب الاستراتيجية التي أشار إليها بانيتا الحفاظ على عدد القوات الأميركية إلى ما بعد منتصف عام 2013 وإلا سيكون هناك احتمال بالفشل.
وينبع الارتباك من كلمات لم يتم التفكر فيها جيدا، لكن نظرا للحاجة إلى تبني قوات حلف شمال الأطلسي القرارات الأميركية وهو ما لن يتأتى حتى موعد اجتماع القمة في شيكاغو في مايو (أيار). وهذا يزيد من غموض التصريحات لعدم القدرة على الإعلان عن السياسة الأميركية تجاه أفغانستان بوضوح قبل مناقشتها مع حلفائنا. ويجب علينا وعليهم تحديد عدد القوات اللازم وجودها في أفغانستان خلال المرحلة الانتقالية فقط، بل أيضا معالجة أمر آخر مهم وهو شكل الوجود من الناحية المالية والعسكرية خلال فترة ما بعد 2014. يجب أن تتجنب الولايات المتحدة خفض تمويل القوات الأفغانية وهم في أمس الحاجة إليه.

نحن بحاجة إلى تحديد نياتنا والتزاماتنا بعد عام 2014 ليكون هدف الفترة الانتقالية محددا وواضحا، لا عثرة في طريقنا. وربما يوضح ما تنتهي إليه المفاوضات الحالية حول الشراكة الاستراتيجية غرضنا إذا لم تؤد فترة الجمود الحالية إلى انهيارها. وسوف يحدد وضوح وثبات غرضنا ما إذا كانت القوات الأفغانية سوف تركز على تحسين وتطوير قدراتها أم ستهدر الوقت في القلق من كيفية البقاء في حال الإسراع بانسحابنا. وتتطلب استراتيجية تسليم المسؤولية من القادة اتخاذ إجراءات مهمة حاسمة ملتزمة شجاعة.
إن توقع الوضوح والحسم من القادة السياسيين حق مشروع. وعلى الرئيس أوباما توضيح استراتيجيته للأميركيين، لا التحدث عن مواعيد انسحاب القوات.

  

السابق
العد التنازلي للمشروع الذري الايراني
التالي
بالحجارة والأحذية.. مرابطون يفشلون محاولة متطرفين من اقتحام الاقصى