إستقالة الى جمهورية الرابية؟!

لم يكن في وسع الرئيس نبيه بري ان يشعل سيجارة عندما اجتمع مع النائب ميشال عون خوفاً من انفجار المكتب الذي كان عابقاً بالابتسامات الصفراء ومضغوطاً بمكنونات الصدور، فكيف إذا أضفنا الى ذلك روائح المازوت التي تملأ فضاء الحكومة السعيدة؟
ليس قليلاً ان تضطر الرابية للنزول الى عين التينة بحثاً عن مخرج لعقدة توقيع الوزير شربل نحاس على بدل النقل، وهي "أزمة القرن" التي تشلّ دولة المساخر، وقد وصلنا إليها في هذا "الزمن السيىء" كما يقول البطريرك صفير!
وليس قليلاً ان الجنرال لم يجد عوناً يجيئه لا من الله سبحانه وتعالى، ولا من حلفائه في مسألة التوقيع، وهي النقطة التي طفح بها كيل هذه الحكومة التعيسة، فكانت النتيجة ان الرئيسين سليمان وميقاتي توافقا على إقفال "دكان السرايا" في انتظار ان يرضخ نحاس ويوقع ويتوقف عن المضي في الشعبويات، التي كان عون يصفق لها وصار يسعى الى تلافي انعكاساتها المضرة، ولم يجد من يساعده على مخرج للتوقيع يحفظ ماء الوجه فكان أمام خيارين: إما ان يرضخ نحاس ويوقّع وهذا يعني رضوخ عون شخصياً وإما ان يستقيل… وكانت الاستقالة في "جمهورية الرابية" نكاية ببعبدا وبالسرايا معاً!

كان الأمر متوقعاً بعدما سقط تهديد عون بفرط الحكومة، فالسيد حسن نصرالله الذي شكّلها قال في خطابه إنها باقية وستبقى، أما رئيسها "النائي بنفسه عن نفسه" فقد أعطي مع وزرائه فرصة غياب متعمّد، ربما لاستكمال إخراج ما سمّاه سعد الحريري "الفيلم الإيراني الطويل".

بعد التمديد الالتفافي للمحكمة عن طريق "أخذ العلم"، الذي زيادة في العجب لم يعجب "حزب الله"، كان المطلوب ان تعود الحضانة الوزارية الى السرايا، لكن استقالة نحاس نقلت الحكومة "بدل النقل" الى مأزق جديد. ولأن ميقاتي حريص على دوره كرئيس للحكومة وعلى هيبة المقام كما يشاع، كان لا بد من ليّ ذراع نحاس ليوقع قرار بدل النقل لكنه وقَّع مشروع استقالة في الرابية لها طعم البديل من بعبدا، منفذاً تهديده السابق بأنه لن يوقع ولو وقع 29 وزيراً بمن فيهم زملاؤه "ملائكة تشارلي".
ولأن ذراع نحاس من ذراع عون وأي ليّ هنا يعني لياً هناك، كان عون قد ذهب الى أبو مصطفى و"أنت الخصم والحكم"، لكن بري كان جازماً: "عدم التوقيع هرطقة… والمجلس لن يلعب دور الحكومة".
والسؤال هل انتهى "الفيلم الإيراني الطويل الذي قد يحصد جوائز الأوسكار في الإخراج وفي التمثيل، رغم ان الخاتمة حتى الآن جاءت تراجيديا ودموعاً، على طريقة الأفلام الهندية وبطولات شاهد كابور أو ساري شنكار!   

السابق
ورش عمل عن واقع السجون جنوباً
التالي
اسرائيل تحفر خندقاً بطول 500 متر قبالة عيترون