فرصة مناسِبة أمام الرئيس بشَّار

لو أن الرئيس بشَّار الأسد إغتنم فرصة المبادرة العربية وعزَّزها بكلام له طابع المناشدة الأخوية يوجهه عبْر اطلالات تلفزيونية أو لقاء جماهيري أو من خلال كلمة يلقيها في البرلمان السوري، إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز واخوانه العرب بأن يكثِّفوا السعي لإنقاذ سوريا من المحنة التي تعيشها، لكان الوضع أفضل له وللشعب السوري ولما كانت هنالك المخاوف التي عبَّر عنها في شأن تقسيم سوريا. كما انه كان سيُطمئن المنتفضين على النظام بأنه متمسك بـ «المبادرة العربية» لأنه يرى فيها أنها خير علاج للمحنة السورية. وإلى ذلك فإنه كان سيجد حاله مثل حال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي على رغم طول الانتفاضة الشعبية على نظامه وجد أن النجدة الخليجية له والمتمثلة بمبادرة متوازنة هي خير صيغة للإنصراف الكريم والسلامة لما بعد الإنصراف. وهنا نشير إلى ان «المبادرة العربية» أقوى بكثير من «المبادرة الخليجية» التي تم استنباطها من أجل إيجاد الحل المتوازن للمحنة اليمنية. ونقول ذلك على أساس أن «المبادرة العربية» تشمل كل الدول الاعضاء في الجامعة وتحظى بترحيب دولي فيما الأخرى تقتصر على الدول الخليجية الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

وزيادة في التنويه نقول إن سقف «المبادرة العربية» هو نوع من الضمانة كان من شأن الأخذ بها الحؤول دون نقل الأزمة إلى مجلس الأمن وعدم لجوء روسيا والصين إلى استعمال «الفيتو» عند التصويت ليس من أجل نجدة سوريا وإنما من أجل مصالحهما. ودليلنا على ذلك أنه لمجرد أن قال الملك عبد الله بن عبد العزيز ما قاله عن فقدان الثقة بالأمم المتحدة، وكان يعني ضمناً بكلامه الموقفين الروسي والصيني، فإن الدولتين بدأتا السعي لتصحيح الموقف خشية أن يخسرا سوريا ومن دون أن يربحا إستمرار العلاقة مع السعودية ودول الخليج التي لا بد ستعيد النظر في طبيعة المصالح المتبادلة بينها وبين الدولتين الكبريين رداً على إستعمالهما «الفيتو» عند التصويت بدل دعم «المبادرة العربية» والإقرار كما بقية دول العالم بأنها الحل المتوازن الذي لا تجدي أي حلول أخرى للأزمة التي تطورت وازدادت تعقيداً.

على رغم عدم اغتنام الفرصة فإن الحل المتوازن يتم الأخذ به يبقى أفضل بكثير من استمرار الوضع على ما هو عليه. فهنالك قمة عربية من المقرر انعقادها في بغداد. وإذا سمحت الظروف ولم يتأجل الإنعقاد بداعي مخاطر الوضع الامني الذي يعيشه العراق وبالذات بغداد حيث يكاد لا يمر يوم من دون تفجيرات، فإن مشاركة الرئيس بشَّار الأسد في القمة وإشراك من يمثل المجلس الوطني السوري (المعترف به دولياً وعربياً) وليس أي فصيل معارض آخر، من شأنها أن تشكِّل بداية لمحاولة أخرى جدية لإستنباط تسوية للأزمة السورية.
ومن هنا فإن تأجيل الاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس بشَّار يبدو أفضل خصوصاً أن الإقبال على التصويت سيكون فئوياً ومن جماعة النظام فقط وبالتالي فإن النتائج ستذكِّرنا بالنِسب التي كانت تنتهي إليها إستفتاءات الزمن الذي مضى.
وقد يقال: وماذا لو أن القمة العربية لن تنعقد؟ وجوابنا عن ذلك إن إنعقادها ضروري حتى إذا تبدَّل المكان أو إرتأى أهل الحكم العراقي عقْدها في «أربيل» التي تأخذ يوماً بعد آخر صفة «العاصمة» الأكثر هدوءاً للتشاور السياسي، بعدما كانت بغداد هي تلك العاصمة.

قد يبدو هذا الذي نشير إليه صعب التحقيق. ولكن لا استحالات في العملية السياسية مهما بلغت التعقيدات والتحفظات، ومن الخير لسوريا الشعب والوطن والرئيس بشَّار استدراك ما يمكن استدراكه ذلك أن الذين يؤازرونه بـ «الفيتو» أو بزيارات القطع الحربية (الايرانية بعد الروسية) إنما يحاولون الدفاع عن مصالحهم وليس من أجل سوريا. وحتى الآن ما زال ممكناً التوصل إلى ما هو أفضل من هذا الذي نتابعه يومياً على شاشات الفضائيات، ونسمعه يقال في صيغة تصريحات وتوضيحات.
ومرة أخرى نقول: إن مفتاح التسوية هو بيد الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأن الذي يفيد هي خطوة نوعية من جانب الرئيس بشَّار تجاه هذا الملك الذي طالما كانت نخوته تجاه سوريا الأسد، اباً دائماً ثم إبناً لبعض السنين، تشكِّل إحدى أهم حالات صمود سوريا أمام المفاجآت والأزمات والصدمات.
  

السابق
المدّعي العام المالي لم يبدأ تحقيقاته حول فضيحة المازوت بعد!
التالي
القرار الإتهامي: المتهم الخامس مدني سياسي؟