خلفية مواقف جنبلاط من دمشق!

لا تحتاج المواقف التي يُطلقها رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط الى كثير من الجهد في التدقيق والتمحيص لمعرفة أبعادها والخلفيات، خصوصاً وأنه وسّع فيها هذه المرة مروحة انتقاداته لتشمل الى دمشق، مواقف موسكو والعواصم الغربية المتعاطية مع الأزمة السورية.

 قرأ سياسيون مطلعون في مواقف جنبلاط بـ"نبرتها" أو "طبعتها الجديدة" أن الرجُل قطع مجدداً ونهائياً مع النظام السوري، وعاد سيرته الأولى التي كان عليها إثر التوصل الى القرار 1559 ووقوع جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط 2005، لكن مع فارقين هذه المرة: الأول عدم اتهام دمشق مجدداً بهذه الجريمة حسبما كان يفعل قبل إلتحاقه بركب الاكثرية الجديدة في كانون الثاني من العام 2011 ما مكّنها يومها من إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، والثاني عدم مهاجمة سلاح المقاومة الذي كان سماه يوماً "سلاح الغدر" قبل أي يعيد ما كان إنقطع بينه وبين الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

ويرى هؤلاء السياسيون أن اللافت في هجوم جنبلاط العنيف على النظام السوري أنه جاء بعد زيارته لتركيا التي قابل خلالها بعض المسؤولين الأتراك الكبار، ما يدفع الى الإعتقاد بأن هذه المواقف تشكِّل انعكاسا لمعطيات تركية حول مستقبل الأزمة السورية تسنى له الإطلاع عليها من هؤلاء المسؤولين، وهي معطيات يقال أنها تتلاقى مع معطيات مشابهة تسنّى أيضا لبعض اركان فريق 14 آذار الإطلاع عليها من مصادر تركية وغيرها، وشكلت خلفية هجومهم العنيف الأخير الذي شنّوه على النظام السوري في احتفال "البيال" لمناسبة الذكرى السابعة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وتفيد هذه المعطيات ان النظام السوري "سيسقط في مهلة أقصاها ثلاثة أشهر"؟

ولكن جنبلاط وعلى رغم من هذا التصعيد العالي النبرة في موقفه ضد دمشق، ما يزال يقف على المستوى الداخلي في الموقع الوسط بين فريقي 8 و14 آذار، فهو يدافع عن سلاح المقاومة ويعتبره واجب الوجود لحماية لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية، ولا ينتقد في الوقت نفسه موقف حزب الله وجميع حلفائه في قوى 8 آذار المؤيد للنظام السوري. وفي المقابل يجاري فريق 14 آذار موقفه المعارض لهذا النظام، وإن كان رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية علق على موقفه قائلاً عنه "أنه في 14 آذار وأقرب الى الوسط".

على ان ما يتوقف السياسيون المتابعون عنده أيضا في الموقف الجنبلاطي هو انتقاده للموقف الروسي المؤيد لدمشق، ويعتقدون أن جنبلاط ربما كان استأخر هذا الإنتقاد حتى الآن بعدما كان زار موسكو قبل اسابيع وعاد منها غير مرتاح الى نتائج محادثاته مع صديقه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حيث كان يراهن على احداث خرق في الموقف الروسي من الازمة السورية في إتجاه تأييد المبادرة العربية والأخذ في الاعتبار معارضة غالبية الأنظمة العربية وشعوبها للنظام السوري، ولكنه فوجئ بأن لافروف ربط على مسمعه بقاء هذا النظام بقيادة الرئيس بشار الاسد ببقاء رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين الذي يستعد للعودة الى الكرملين في الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 آذار المقبل.

والملفت أيضاً وأيضاً في رأي السياسيين الممتابعين ان جنبلاط انتقد موقف الدول الغربية من دمشق مشككا في جديته في السعي الى إسقاط النظام السوري، ومتهماً الغرب ضمنا باستحضار تنظيم "القاعدة" بقيادة أيمن الظواهري الى النزاع في سوريا، وذلك لكي يتذرع هذا الغرب به للإعراض عن دعم المعارضة السورية لاحقاً، ما يعني بالتالي أن جنبلاط يشكك ضمناً في خروج مؤتمر "اصدقاء سوريا" الذي سينعقد في تونس في 24 من الجاري لدعم المعارضة السورية بنتائج عملية في هذا الاتجاه.

مبادرة جنبلاطية خاصة

غير أن قريبين من جنبلاط يؤكدون في معرض شرحهم للاسباب والحيثيات التي أملت على جنبلاط إعلان هذه المواقف العنيفة "ان الرجُل يحاول منذ بداية الأزمة السورية توجيه عدد كبير من النداءات الى القيادة السورية لتغليب الحل السياسي على المقاربات الأمنية، وهو في هذا السياق قام بمبادرة خاصة حيث حمل ملف الازمة السورية وجال فيه على عدد من العواصم عام 2011، إلاّ أن النظام السوري لم يستمع الى نصائح كثير من اصدقائه، فغلّب الحل الامني وسفك الدماء ورفض المبادرة العربية وغيرها، فوجد جنبلاط نفسه ازاء هذا الواقع امام خيار إتخاذ موقف واضح مما يجري غير مراهن على القوى الدولية والاقليمية في مساعدة المعارضة السورية، ومنطلقاً من ثابتة أن ظروف التاريخ تؤكد أن حركة الشعوب لا تعود الى الوراء وإنما تتقدم الى الامام".

ويقول القريبون من جنبلاط انفسهم "أن هذه المعطيات هي الخلفيات الاساسية لموقفه من النظام السوري، وهو موقف تصاعدي ولا ينبغي أن يكون مفاجئا لأحد". ويرى جنبلاط، حسب هؤلاء القريبين منه، "ان مواقف الدول الغربية والتصريحات التي تصدر عنها تثير علامات إستفهام خصوصاً حول موضوعي تنظيم "القاعدة" الذي هو مسمى مطاطاً ينبغي ان تندرج تحته عناوين عدة. اذ تكتفي هذه الدول باصدار بيانات الاستنكار والتلطي خلف الفيتو الروسي ـ الصيني بدلاً من اتخاذ خطوات عملية، فالغرب يخاف دائما على أمن اسرائيل واسرائيل تمتعت بهدوء تام لمدة 40 عاماً على جبهة الجولان، وربما لم يصدر قرار بعد بتغيير هذا الواقع".

ويشير هؤلاء الى أن جنبلاط يقرأ في المواقف الدولية الجارية حول الأزمة السورية ما يشير الى "أن هناك شكلاً من أشكال التآمر على الشعب السوري".  

السابق
الجبهة الديمقراطية تحتفل بذكرى انطلاقتها في البصّ_صور
التالي
مجدلاني: هذه الحكومة تضع لبنان في وجه الاجماع العربي