عدم تشويه قانون حماية المرأة

جاء الاعتصام الذي نظّمته مجموعة من الناشطات والناشطين المدنيين تحت اسم «التجمع لحماية المرأة» ليؤكد خروج حملة حماية النساء من العنف الأسري من «قمقم» الجمعيات النسائية، إلى رحاب القضية المدنية بامتياز. وعلى الرغم من اتساع الفئة المدنية المؤسساتية التي تتبنى مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري، التي تضمّ 51 جمعية ومنظمة، تحت إطار التحالف الوطني لحماية النساء من العنف، إلا أن الحراك الميداني، ومعه ما يحصل على الإنترنت، وبالتحديد على صفحات التواصل الاجتماعي، حوّل القضية إلى شأن يعني غالبية المجتمع.

وعلى الرغم من وجود معارضين لمشروع القانون الذي تدرسه إحدى اللجان الفرعية النيابية في المجلس النيابي، إلا أن المطالبة بإقراره «من دون تشويهه»، تحولت إلى أحد الشعارات الأساسية التي تحملها فئة واسعة من اللبنانيين.
ويبدو الناشطون، حتى من خارج منظمة «كفى عنفاً واستغلالاً»، التي بادرت إلى إعداد مشروع القانون وتقديمه إلى المجلس النيابي، مدركين الأبعاد الدينية والذكورية التي تحول دون إقرار مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري كما هو، لا كما يراد له، خصوصاً لجهة تفريغه من مضمونه.
واتخذ أفراد التجمع من إعلان الأمم المتحدة العام 2012 «عاماً للمرأة»، دافعاً لقرارهم بدعم حملة «كفى» و«التحالف الوطني من اجل إقرار مشروع القانون»، واعدين بـ«متابعة العمل» على مدار العام. وكان لافتاً في اعتصام الأمس مشاركة وجوه شبابية جديدة لا ترى عادة في أنشطة نسائية تقليدية، وهو ما ينسجم مع تبني عدد كبير من جيل الشباب قضية مشروع القانون وتخصيصه بصفحات داعمة على «الفايسبوك»، في مقابل صفحات «ضد القانون»، تحمل صبغة وخلفية دينيتين.

واستغلّ المشاركون في التحرك مع حضور وزير الاتصالات نقولا صحناوي لتحميله جملة من الرسائل إلى زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون، وضرورة أن يأتي أداء نوابه في اللجنة الفرعية لدراسة مشروع القانون «منسجماً مع شعار التيار الداعي إلى الإصلاح والتغيير». ويبلغ عدد نواب «التيار الوطني» الأعضاء في اللجنة الفرعية أربعة أعضاء هم النواب جيلبرت زوين، نبيل نقولا، ميشال الحلو وغسان مخيبر، من اصل ثمانية نواب هم أعضاء اللجنة ومن بينهم رئيسها سمير الجسر (المستقبل) والنواب عماد الحوت (الجماعة الإسلامية) وعلي عمار (حزب الله) وشانت جنجنيان ( كتلة القوات اللبنانية). وطالب المشاركون صحناوي بإيصال رسالتهم إلى رئيس «تكتّل الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون وإبلاغه بـ«التشويه» الذي يتعرض له مشروع القانون، بما لا يؤمن الحماية الحقيقية للمرأة، وضرورة إعلان موقف صريح من مشروع القانون. وذهب الناشطون إلى مطالبة نواب التيار ومعهم كل رافض لتشويه القانون من أعضاء اللجنة الفرعية إلى إعلان مواقفهم صراحة أمام الرأي العام وكشف ما يحصل داخل اللجنة، تحت طائلة تحميلهم مسؤولية التشويه والموافقة عليه. ووعد صحناوي محدثيه بمتابعة الموضوع في التكتل.

وأكد ياسر عكاوي، أحد المنظمين، في إشارة إلى استقلاليّة التحرّك، أن اختيار ساحة سمير قصير جاء بعدما قال البعض إن ساحة رياض الصلح محسوبة على الثامن من آذار وساحة الشهداء تحمل صبغة 14 آذار، وبعدما منعتهم الدولة من الاعتصام في ساحة النجمة «حيث مكاننا المناسب أمام البرلمان»، متذرعة بدواع أمنية.
واعتبر عكاوي أنه «لا يمكن للبنان أن يحتل مركزاً على الساحة الدولية ولا أن يؤخذ على محمل الجد، إذا كانت ابسط حقوق الإنسان فيه غير محترمة، والدليل أن أنظمة عدة فشلت سياسياً واقتصادياً لأنها لم تحترم الإنسان».
 وأشار عكاوي إلى أن نصف المجتمع اللبناني، ونصف قوتنا الاقتصادية، لا يحظى بالحماية التي يستحق، وهؤلاء هن أمهاتنا وشقيقاتنا وبناتنا».
ورد عكاوي النزول إلى الشارع «لأن الواقع في لبنان مؤلم، ولأن الصمت تجاه ما يحصل تواطؤ مع الإجرام، خصوصاً أن القصص التي تخرج عن العنف الأسري لا تصدّق».
وتوقف عكاوي عند الضغوط التي تمارس على اللجنة النيابية الفرعية التي تدرس القانون، مما «أدى إلى تعديل الكثير من مواده بحيث لم يعد يلبي الهدف الأساسي منه في حماية المرأة من العنف الأسري».
ووضع عكاوي الاعتصام في إطار «محاولة منع تفريغ القانون من روحيته، فجميعنا نعلم أن المرأة هي أكثر عرضة للعنف في هذا المجتمع الرجعي، وأنه عندما تصل الأمور إلى العنف الأسري، تجد نفسها وحيدة لأن الأجهزة المختصة ترفع يدها عن الموضوع، فيما أغفله القانون الجزائي أيضاً».

وطالب عكاوي باسم المشاركين في التحرك نواب اللجنة والمجلس النيابي أن «يسمعوا صرختنا لأنها صرخة كل امرأة عانت ومازالت تعاني أوجاعاً جسدية ونفسية نتيجة العنف الأسري».
وبعدما رحبت مديرة منظمة «كفى» زويا روحانا بتبني المجتمع المدني قضية مشروع القانون إلى جانب الجمعيات التي تناضل من أجل إقراره، عرضت لأبرز التعديلات التي تسربت عن عمل اللجنة التي تفقد القانون جوهره وتحول دون حماية المرأة فعلياً.
وبدأت روحانا من تعميم القانون وإلغاء تخصيصه للمرأة المستهدفة، بحيث أصبح لكل أفراد الأسرة، مشيرة إلى أن القانون 422 يحمي الأطفال، والمجتمع ككل وقانون الأحوال الشخصية وكل العقلية السائدة، تحمي الرجل وتجعله الطرف الأقوى. لذا، إن المرأة هي التي تحتاج إلى الحماية هنا». وأكدت روحانا أنه «لا يمكن تذكّر المساواة بين الجنسين في بعض الأمور، وإسقاطها في الأمور الجوهرية».

وتحدثت روحانا عن إلغاء المادة التي تجرّم «إكراه الزوج زوجته على الجماع»، أي الاغتصاب الزوجي، متوقفة عند معارضة بعض الجهات الدينية للمادة، لتؤكد أن أي دين لا يمكن أن يسمح بذلك تحت غطاء «حق الرجل بالعلاقة مع زوجته».
وتحدثت روحانا عن تدابير حماية المرأة مشيرة إلى أن بعض التسريبات تشير إلى أنهم ربطوها بقانون الأحوال الشخصية ومسألة حضانة الأطفال «أي أن رجل الأمن الذي يأتي لحماية المرأة سيسأل إذا كان الأولاد، ووفقاً للدين، في حضانتها أم في حضانة الزوج، وعليه يتصرف».

ولكن الأهم، إضافة إلى التعديلات الأخرى، هو التعديل الأساسي الذي أضيف إلى مشروع القانون، والذي من شأنه أن ينسف جوهره، ويتمثل في المادة 26 التي أضيفت إليه والتي تقول إنه «لدى تعارض أي من احكام القانون مع قانون الأحوال الشخصية فإن الأولوية تكون للأخير، أي لقانون الأحوال الشخصية». ورأت روحانا أن متن مشروع القانون يقول بعدم تعارض بنوده مع قانون الأحوال الشخصية، فلا يجوز إضافة هذه المادة من الأساس.
وطالبت روحانا باسم التحالف الوطني لإقرار مشروع القانون بـ«عدم تشويه مضمونه ولا جوهره بطريقة لا تؤمن الحماية الفعلية للمرأة من العنف الأسري».
ورفع المشاركون في الاعتصام شعارات تتعلق بتعديلات اللجنة الفرعية، ومنها: «بخصوص ذكوريتكم؟»، و«المجلس النيابي يغتصب حقوقي»، و«الرجل الحقيقي لا يُعنّف»، و«ممارسة الجنس من دون قبول الطرفين هي اغتصاب». كما علقوا على بطء إنجاز مشروع القانون بالقول «بطيء.. أسرعوا في إقرار قانون غير مشوّه لحماية النساء من العنف الأسري». 

السابق
دوفريج: لسحب الملف الاقتصادي من التجاذب السياسي
التالي
حنان الأم يساعد على نمو أدمغة الأطفال