رسالة الى المجلس الوطني السوري من هيئات شيعية لبنانية مستقلة

من
تجمع الهيئات والقوى والشخصيّات
اللبنانيّة الشيعيّة المستقلة
إلى
المجلس الوطني السوري
جواباً على رسالتيه المفتوحتين إلى الشعب اللبناني

تحية تقدير بلا مجاملة،
أما بعد، فلقد تفضل مجلسكم الكريم، المجلس الوطني السوري،في 25 كانون الثاني الماضي،ووجه رسالةً مفتوحة إلى الشعب اللبناني؛ ثم كان الاحتفال بالذكرى السابعة على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريريفتُليت خلاله رسالةٌ بتوقيع مجلسكم تستلهم، مع أخذ المقام في الاعتبار، ما ورد في رسالتكم الأولى.
جزيل الشكر أولاً على الرسالتين اللتين نرى فيهمادعوة، لا ترد، إلى الاستعداد لمرحلة جديدة من العلاقات اللبنانية ــ السورية مبنية على الاحترام السيادي المتبادللا على القرابات الافتراضية والرّحمِيّات الموهومة، وذلك لما فيه مصلحة شَعْبينا وبَلَدينا والمنطقة قاطبة.
كان منكم ذلك في هذه اللحظات الحرجةالتي تستعدون فيها، مع آخرين من خارج مجلسكم، لإعادة صياغة المستقبل السوري، وطناً ودولة ومؤسسات وعلاقات خارجية، ــ وأقلّ الواجب حيال هذه البادرة المزدوجة أن يتلقاها اللبنانيون بالشكر، وأن يبادلوها الجواب، وهذا ما سارع إليه البعض بمناسبة رسالتكم الأولى، وهذا ما نحن بصدده، ولو على شيء من الإبطاء، في هذه العجالة التي يجتمع في التوقيع عليها عدد من اللبنانيين الذين لا يتحرجون من التعريف عن أنفسهم بوصفهم ديمقراطيينوشيعة.
ففي معترك انتفاضة شعبكم في سوريا، وما يدفعه اليوم تلو الآخر من ضريبة دم وقمع وملاحقة، وإذ يصطنع فريقٌ لبناني شيعي نفسَه رأسَ حربة في الدفاع عن نظام البعث، واضعاً إمكانات الدولة اللبنانية، أو بعضها على الأقل، في خدمة خياره هذا، نُغالط أنفسنا ونُغالطكم إن اكتفينا، من باب العِفّة السياسية،بالتعريف عن أنفسنا كلبنانيين ديمقراطيين فقط لا غير. فعلى غرار ما بدا لنا، ذات لحظات من عمر بلدنا لبنان، أن التنازل عن المكون الشيعي من هويتنا تَخَلٍّ عن مسؤولية وتهربٌ من تكليف، كذلك الأمر اليوم إذ يتعلق الأمر ببلدكم سوريا.
تحت هذا اللواء المثلث، التمسك بالقيم الديمقراطية أولاً، وتقديم الولاء الوطني للبنان على أي ولاء أعم ثانياً، والوفاء لثقافة رفض الظلم مهما كان مأتاه، لا يرى المنضوون تحت مسمى تجمعالهيئات والقوى والشخصيّات اللبنانيّة الشيعيّة المستقلةبُدّاً من التوقف عند بعض ما جاء في الرسالتين اللتين وجهتم إلى الشعب اللبناني لا سيما أن العلاقات اللبنانية ــ السورية لا تُختصر إلى مجموعة من الملفات الخلافية.
بلى، بين بلدينا مجموعة من الملفات الخلافية ولكن تدبير هذه الملفات، وفض الخلافات المترتبة عنها، يفترض منا، أولاً، الاعترافَ بالاضطراب التاريخي الذي لازم العلاقة بين البلدين، والتسليمَ بأن الخروج من دائرة الاضطراب هذه، توصلاً إلى علاقات سوية، مسار مؤلم طويل كلما سارعنا إليه خففنا من حدة آلامه وقَصّرنا من تعرّجاته.
إن الموقعين على هذه الوثيقة يُقدّرون عالياً ما تتعهدون به في رسالتيكما، ويتوقفون بشكل خاص عند «ترسيم الحدود السورية ــ اللبنانية لا سيما في منطقة شبعا»، وعند «ضبط الحدود المشتركة بين البلدين»، ذلك أن هذين التعهّدين لا يستجيبان فقط لمطالب اللبنانيين الاستقلاليين، ولكن يُساهمان في تجاوز العبثية البعثية فيمقاربتها لمسألة الحدود ويؤكدان صدق النية في أن تجد دَوْلتينا محلهما من المجتمع الدولي، فضلاً عما يُخَفِّفانه عن لبنان من مشقة في سعيه إلى إستعادة حقوقه في منطقة مزارع شبعا من خلال منظمة الأمم المتحدة.
وباسم كل الذين عانوا من أجهزة نظام البعث نرحب بالتفاتتكم إلى أهمية «تشكيل لجنة تحقيق سورية ــ لبنانية مشتركة لمعالجة ملف المعتقلين اللبنانيين في سجون النظام»، غير أن هذا الملف، على إلحاحه وأهميته، يجب ألا يتحول منا إلى الشجرة التي تواري الغابة. لقد يبدو في غير محله، وسط حرب الإبادة التي يخوضها نظام البعث ضد الشعب السوري،أن نُذَكّر بالجراحات البليغة التي ألحقها هذا النظام، بالتواطؤ مع بعض اللبنانيين ومع بعض السوريين، ببلدينا وشعبينا، على أن هذا التذكير لا بد منه. فإنجاحاً لمسعى «طي صفحة الماضي» لن يكون بد، عاجلاً أم آجلاً، من العودة إلى هذا «الماضي»: من مراجعته، ومن التصارح بشأنه، ولربما من ترتيب المسؤوليات عنه على أصحابها، معنوياً أو جنائياً، وفي هذا الشأن نتمنى لكم ونتمنى عليكم ألا تكرروا خطيئة اللبنانيين بتقديم العفو على المساءلة.
لقد قدر مجلسكم «عالياً وقوف الشعب اللبناني بجانب شقيقه السوري» ونحن نعلم وأنتم تعلمون أن اللياقة حيال الشعب اللبناني وحرصكم على النأي بأنفسكم عن السجالات اللبنانية ــ اللبنانية ذات التعلق بالموضوع السوريرائِدُكم إلى هذا التقدير.
إننا كديمقراطيين لبنانيين شيعة، ومن موقع النصرة لكل حر يخرج على حاكم مستبد جائر،نستنكر كل الإستنكار ما يذهب إليه بعض اللبنانيين، تلميحاً أو تصريحاً،من مؤازرة نظام الاستبداد البعثي، ولكننا،في معرض إستنكارنا هذا،لا ننسى ولا نتناسى أن تأييد هؤلاء اللبنانيين لنظام الاستبداد في بلدكم هو من أعراض فشلنا كلبنانيين، وهو مورد خطر على اللبنانيين عليهم المسارعة إلى احتوائه تحت عنوان الدفاع عن أنفسهم وعن بلدهم قبل أن يكون تحت عنوان التضامن معكم.
إننا كديموقراطيين لبنانيين شيعة نؤكد معكم «أن التعددية الدينية والعرقية ميزة فريدة يتشارك فيها لبنان وسورية» ونلاقيكم في توقكم إلى مستقبل نشهد فيه بزوغ«نظام ديموقراطي ودولة مدنيّة تعدديّة ديموقراطيّة» في سوريا.نزولاً عند هذا وذاك لا نأتي بجديد إن كررنا مع كثيرين أن الأنظمة الاستبدادية، ومنها نظام البعث،ليست جديرة بأن تتقلّد مقاليد حكم أي شعب من الشعوب،وإن نادينا، مع المنادين، بضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته وأن يمد يد العون للشعب السوري في سعيه إلى التخلص من النظام المجرم المنتهك لحقوق الإنسان، وفي طموحه إلى بناء سوريا ديموقراطية حرة.
بناء على ما تقدم، نُلاقي القائلين بأن أنظمة الاستبداد، ومنها بالطبع نظام البعث، لا تملك أن تحمي شعوبَها، ولاتَنَوّع مجتمعاتها؛ ولو كان الأمر غير ذلك لما توسلت بالقمع والاستعلاء والغلبة. وبناء عليه أيضاً ندعو مجلسكم إلى ضرورة التعهد الصريح بضمان حقوق الجماعات السورية، مهما صغر حجمها العددي، ونخص من هذه الجماعات بالذكر الجماعة العلوية التي تُعاني كما جميع الشعب السوري من العسف والتضييق وإن اختلفت أشكال المعاناة؛ ذلك أنه لا يكفي، من وجهة نظرنا، تحميل نظامُ الأسدِ مسؤولية اختراع مسألة أقليّات، فهذه المسألة – مسألة الأقليات و إدارة التنوع المجتمعي – هي من المسائل التي تساوت الأنظمة العربية في الإخفاق فيها أو تكاد، وهذا ما يرتب عليكم حملاً ثقيل الوطأة عساكم أن تنجحوا في القيام بأعبائه.
وفّقتم إلى ما أنتم ساعون في سبيله من الانتقال بسوريا إلى ما يليق بها وبشعبها والسلام.

السابق
30 مليون يورو تقدمها فرنسا إلى وزارة الاتصالات
التالي
الجسر: خطاب نصرالله ظاهره سلبي ولكن في مضمونه يحمل فتح باب الحوار