تنحي الشيخ والسيد

السجال الذي دار بين الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصر الله الاسبوع الماضي عكس سوء تقديرهما المشترك للازمة السورية وما يمكن ان تسفر عنه من تغيير لن يكون بالضرورة في مصلحتهما، بل يمكن ان تطيحهما معا.
عبر الرجلان عن ثقة مفرطة في مرحلة ما بعد تلك الأزمة، عبر الحريري عن اطمئنانه الى ان تغيير نظام الرئيس السوري بشار الاسد سيؤدي حكما الى نصر إلهي لتياره وطائفته والى تطور جوهري في العلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين.. من دون أي تحفظ أو تردد في استقبال ذلك الوعد السوري الذي لا يمكن قياسه بعمر النظام، الذي يقصر يوما بعد يوم، بل بزمن الفترة الانتقالية التي ستعقبه، والتي لا يمكن أحداً تقديرها أو التكهن بالاتجاهات والخيارات السياسية التي سيفرزها المجتمع السوري الخارج للتو من عقود من القهر والقمع.

الحكمة تقتضي بعض التروي في مقاربة المرحلة الانتقالية في سوريا، التي يمكن ان تتخذ شكلا عسكريا أو إسلاميا أو فوضويا، وهي أشكال يمكن ان تمدد القلق اللبناني، وتجدد الخيار الأمني في لبنان، أو أن تختار حلفاء إسلاميين لبنانيين محددين لإحياء وحدة المسار والمصير، وشعار الشعب الواحد في دولتين، أو حتى خيار المقاومة لدى شعب واحد وخيار الممانعة لدى الشعب الآخر.
وكذا فعل السيد نصر الله، الذي لا يزال على يقينه الغريب بأن النظام السوري سينجو من الأزمة الراهنة وسيخرج منها أقوى من ذي قبل، وسيعمق ذلك الحلف الممتد من الضاحية الجنوبية لبيروت الى الضاحية الشمالية لطهران مرورا بموسكو.. كما لا يزال على إيمانه بأن الإصلاحات الدستورية التي أعلنت الاسبوع الماضي كافية لإنهاء الأزمة السورية وإعادة السوريين الى حياتهم الطبيعية. والاسوأ من ذلك ان السيد نصر الله لا يزال مقتنعا بأنها مؤامرة خارجية، وبأن زعماء السعودية وقطر وفرنسا وأميركا وغيرهم هم الذين يقودون الثورة وهم الذين يدعون المتظاهرين السوريين للنزول الى الشوارع وهم بالتالي الذين يستطيعون إعادتهم الى منازلهم في أي وقت يشاؤون.

أما الزعم أن الهدف الرئيسي لتلك المؤامرة هو رأس المقاومة ليس إلا، فهي مبالغة شديدة في تقدير حجم لبنان ومقاومته، ومخاطرة بقطع الطريق على احتمال أن يكون النظام المقبل في سوريا بحاجة الى مقاومة لبنانية يستفيد منها، من أجل أن يضمن استقراره الداخلي ودوره الخارجي.. والاهم من ذلك ان هذه المخاطرة تقفز فوق المرحلة الانتقالية السورية التي لم تبدأ بعد، والتي لا يمكن أحداً أن يتكهن في مدتها ولا طبعا في نتائجها.
قال الرجلان بالحوار، سواء على قاعدة النصر الوشيك أو الهزيمة القريبة. لكن كلامهما أوحى بأنهما يستبعدان هذا الحوار أكثر مما يستعجلانه.. على الرغم من انه يبدو الآن فرصة أخيرة لكليهما قبل أن يجرفهما التغيير السوري الحتمي، الذي يمكن ان يفرض عليهما التنحي من موقعيهما معا.. اذا تحولا الى عبء على مذهبيهما، أو عائقا أمام تفاعلهما مع المستقبل السوري المجهول.  

السابق
فياض يشكّل لجنة تحقق واستخلاص العبر في حادث جبع المأساوي
التالي
وزير الزراعة حسين الحاج حسن افتتح الجناح اللبناني في معرض دبي الدولي