الحياة: بري يشغّل محركاته ويلتقي عون لتفادي الأزمة والحكومة تصر على مرسوم النقل رفضاً لسابقة تعطلها

لم يكن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بعيداً من المحاولة الأخيرة التي قام بها أمس رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإقناع رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لإقناعه بالتدخل لدى وزير العمل شربل نحاس المنتمي الى تكتله، للتوقيع على مرسوم بدل النقل الذي أقره مجلس الوزراء في جلسة سابقة، بعد أن أدى امتناعه الى تعليق جلسات مجلس الوزراء…

وعلمنا من مصادر نيابية، أن بري استبق اجتماعه مع عون بالتشاور مع ميقاتي، الذي رحب بجهوده لاستيعاب التأزم في مجلس الوزراء الناتج من إصرار نحاس على عدم التوقيع على مرسوم بدل النقل، على رغم ان عناده كان موضع انتقاد من نواب في تكتل التغيير، اضافة الى وزير السياحة فادي عبود.

وأكدت المصادر أن الجلسة الأخيرة للتكتل شهدت اشتباكاً سياسياً من «العيار الثقيل» بين عبود ونحاس، على خلفية أن الأخير أحضر معه الى الاجتماع اقتراحاً جديداً لتسوية أزمة بدل النقل من 16 صفحة فولسكاب، فيه أن تحديد البدل يقوم على إعطاء تعويض مالي للموظف على أساس المسافة التي يضطر الى قطعها من منزله الى مكان عمله…

ولفتت الى ان عبود ونحاس تبادلا الاتهامات، وقالت ان الأول كان صريحاً بقوله أمام الحضور إنه رب عمل لمؤسسة يعمل فيها حوالى 600 عامل، وإنه أدرى بمشكلاتهم وبأوضاعهم التي تتطلب توفير الحلول لها شرط تقدير الأوضاع المالية للدولة وللمؤسسات في آن، بعيداً من المزايدات وتقاذف الاتهامات.

وتردد، وفق هذه المصادر، أن عون أبدى انزعاجاً من نحاس لإحضاره اقتراح قانون جديد لا يناقش بهذه السرعة، وكان من الأفضل اختصاره. اضافة الى ان بعض النواب في التكتل ممن تضامنوا مع نحاس في موقفه، اضطروا أخيراً الى اعادة النظر في مواقفهم، خصوصاً أنهم يجدون أنفسهم في مواجهة ليس مع المعارضة فحسب، وانما مع معظم الأطراف المشاركين في الحكومة.

الى ذلك، استبعدت مصادر وزارية أن يكون المخرج لإقرار مرسوم بدل النقل بالهروب الى الأمام، أي باللجوء الى البرلمان من خلال تبني اقتراح القانون المقدم من النائب في كتلة «المستقبل» نبيل دي فريج، الرامي الى الإجازة للحكومة تحديد بدل النقل اليومي والمنح المدرسية.

وأضافت المصادر نفسها، أن مجلس النواب سيد نفسه ومن صلاحياته التشريع، لكن إقرار هذا الاقتراح في الجلسة التشريعية المنعقدة الأربعاء المقبل لا يشكل انقاذاً للحكومة، بذريعة ان الهيئة العامة في البرلمان وضعت يدها على المشكلة ولديها من القوة التشريعية ما يمكِّنها من التصويت على بدل النقل، بمقدار ما يهدد هيبتها وقوتها المعنوية جراء رفض وزيرٍ التقيد بقرارات مجلس الوزراء وامتناعه عن تنفيذها باعتبار انه سبق واعترض عليها.

وأكدت ان المسألة لا تتعلق شخصياً برئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء المؤيدين لمرسوم بدل النقل، وإنما بمدى صدقية مجلس الوزراء والتزامه القرارات التي يتخذها بالتوافق أو بالتصويت.

واعتبرت المصادر عينها ان تخلي مجلس الوزراء عن واجباته وصلاحياته في لجوئه الى البرلمان لإنقاذ الحكومة من الورطة التي هي فيها الآن، بسبب «عناد» وزير العمل. يعني، بشكل أو بآخر، ان السلطة الإجرائية وافقت على ان تسجل على نفسها سابقة خطرة تتمثل بتمرد هذا الوزير أو ذاك على قرارات الحكومة وتلويحه بالعصيان السياسي، مستمداً قوته من استحالة إقالته أو نزع الحقيبة منه، لعدم توافر الأكثرية في مجلس الوزراء لاتخاذ مثل هذا التدبير.

وأوضحت أن من غير الجائز وضع مجلس الوزراء أمام خيارين لا ثالث لهما: إما ان يرضخ لعناد الوزير أو أن يكون البديل في إطاحة الحكومة. وقالت إن لا حل لبدل النقل الا بتوقيع نحاس عليه، أو أن يتيح المجال أمام من يشغل وزارة العمل بالوكالة للتوقيع على المرسوم.

وأبدت المصادر ارتياحها الى تدخل بري قبل أيام من انعقاد الجلسة التشريعية، ورأت في دعوته عون الى غداء في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، إشارة واضحة الى انه قرر الدخول عل خط الاتصالات ووافق على تشغيل محركاته بعد تردد، إنما على قاعدة التوافق على المخرج الذي يضمن التوقيع على المرسوم.

وكشفت أن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان يتوافق مع ميقاتي على أن لا حل لمعضلة بدل النقل إلا بتوقيع الوزير المختص أو من ينوب عنه على المرسوم مع تقديرهما لدور البرلمان.

وقالت إن أي حل آخر من خارج مجلس الوزراء غير قابل للحياة، لأنه يعطي أي وزير ذريعة للتذرع بسابقة زميله نحاس في حال عدم موافقته على قرار يصدر عن المجلس. ولفتت إلى ان مجرد تكريس مثل هذا السابقة يعني ان مجلس الوزراء اصبح كطائرة مخطوفة لا يفرج عن ركابها إلا بالتسليم لمطالب الخاطفين.

وتابعت ان تنظيم العلاقة في داخل مجلس الوزراء لا يتم من خلال الابتزاز أو الرضوخ لمزاجية وزير معين، خصوصاً إذا كان هذا الوزير يشارك في حكومة يكاد يغلب عليها اللون الواحد لولا المواقف التي يتخذها الوزراء المنتمون الى الكتلة الوسطية، من فريقي رئيسي الجمهورية والحكومة، ومن المنتمين الى «جبهة النضال الوطني» بزعامة وليد جنبلاط، فكيف ستكون عليه الحال لو أن الوزير من لون آخر وفي حكومة أخرى؟ فهل يسمح له بممارسة النقض من خلال الامتناع عن توقيع المقررات التي هي في حاجة الى توقيعه.

لذلك، فإن بري مقتنع بصوابية موقفي رئيسي الجمهورية والحكومة، وفضل أمس الصمت رافضاً الدخول في تفاصيل الأجواء التي سادت اجتماعه مع عون، وكأنه لا يريد أن يستبق النتائج التي لا بد من أن تظهر اليوم قبل الغد وبالتأكيد عشية انعقاد الجلسة التشريعية.

وعليه، فإن جميع الملفات المطروحة أمام مجلس الوزراء تبقى عالقة ما لم يتجاوب عون مع حلفائه قبل الآخرين في حثه الوزير نحاس على التوقيع على مرسوم بدل النقل محتفظاً بحقه في التحفظ، وإلا لا مانع من إيكال المهمة الى وزير العمل بالوكالة نقولا فتوش… علماً أن لقاء بري-عون تزامن مع جهد فوق العادة تولته قيادة «حزب الله» لدى عون لإعادة النصاب الى مجلس الوزراء، لا سيما انها نأت بنفسها عن الدفاع عن نحاس ضد الحملات التي استهدفته  

السابق
إسقاط النظام أم تفكيك الدولة؟
التالي
غليون.. والخيار المرهون