توازنات عسكرية جديدة في سوريا

تسير الجهود الدولية والعربية الهادفة الى وَقف القمع في سوريا، جنباً الى جنب مع التصاعد المستمر في قوة الجيش الحر وقدرته على تهيئة واقع ميداني يسبق الاتجاه الدولي والعربي لفرض ممرات انسانية او مناطق حدودية عازلة

ومن المتوقع ان يطلق مؤتمر أصدقاء سوريا، الذي سينعقد في تونس، دينامية تحالف دولي يتجه حُكما الى مساعدة الشعب السوري عبر تحقيق خطوات محددة، أولها الاعتراف بالمجلس الوطني، وليس آخرها تمويل الجيش الحر وتسليحه ومساعدته على تشكيل قيادة موحدة تستطيع إدارة العمليات على الارض، وتنسيق المواجهات العسكرية. وربما تبدأ أولى بوادر التسليح بإرسال منظومات اتصال وصواريخ مضادة للدروع ومضادة للطائرات والمروحيات، تِبعاً لحاجة الجيش الحر الذي يركز على تعطيل فعالية المدرعات والآليات العسكرية.

وتقول اوساط ديبلوماسية ان تركيا أعطت موافقة مبدئية على تطوير مساعدتها للجيش الحر من مجرد إيواء قيادة هذا الجيش واحتضانها والسماح بمرور عناصر الجيش وضبّاطه عبر الحدود (555 كلم)، الى البدء بتزويده بالسلاح الذي سيبدأ بعد الاتفاق في مؤتمر أصدقاء سوريا على توزيع مهمات الدعم المالي والمادي، بحيث تتوَلّى دول عربية التمويل وتتولّى تركيا، عبر اراضيها، مساعدة الجيش الحر على تنظيم نفسه. هذا مع العلم بأن عملية تحرّك الجيش الحر عبر الحدود الطويلة مع تركيا باتت أسهل، في ظل صعوبة ضبطها من الجيش السوري الذي يعاني فقدان السيطرة في الكثير من المناطق شمالي سوريا وشرقها، وخصوصاً إدلب التي خرجت عن السيطرة من دون ان يستطيع النظام تجريد حملة عسكرية ضدها أسوة بحمص، وذلك بسبب قدرتها على التمَوّن من الجهتين الغربية والشمالية.

وتضيف الاوساط الديبلوماسية ان التقارير التي تَرِد، تشير الى ان الجيش الحر بات قادرا على ممارسة حرب عصابات في الكثير من المناطق السورية من الشمال الى الوسط، مروراً بدمشق وريفها، ووصولا الى المناطق الشرقية حيث يعمد الى قطع إمدادات الجيش السوري، وإجباره على تخفيف تحركاته العسكرية، كما ان هذا الجيش بات يتواجد في معظم البلدات والارياف، فيما يسيطر الجيش السوري على دمشق ومدن الساحل، ويكتفي بالسيطرة على مدن كبرى كحماة، ولكنه لا يدخل الى الأحياء المكتظة، بل يكتفي بالسيطرة على الشوارع الرئيسة والساحات والمراكز الرسمية والحزبية. كما ان هذه التقارير تتحدث عن بعض حالات الكر والفر في هذه المدن، ففي الزبداني، على سبيل المثال، دخل الجيش السوري وسيطر على الشارع الرئيسي في المدينة، لكنه لم يستطع تأكيد السيطرة على المدينة التي بقيت أحياؤها بقبضة الجيش الحر، ولهذا السبب يخفّف الجيش من وجوده ليلا في المدينة، ليعود ويعزّزه في اليوم التالي تفادياً لتعرّضه لعمليات يَشنّها الجيش الحر.

وتشير التقارير الى ان حالات الانشقاق قد بدأت في الاسبوعين الاخيرين، وتتسِع للمرة الاولى لأنها أصبحت تشمل الضبّاط من الرتب العالية الذين ينشقون مع وحدات عسكرية صغيرة ومتوسطة، ما سيؤدي الى ازدياد عديد الجيش الحر وفاعليته وقدرته على تنظيم نفسه، بانتظار الدعم الدولي والعربي المُتوَقّع الذي استبَقه الجيش الحر بإقامة توازن عسكري، ليس فقط لأنه افشل الحسم الذي توَعّد به النظام في حمص، بل لانه بدأ يمسك زمام المبادرة، سَعياً للانتقال الفِعلي الى دمشق وضواحيها، مع ما يعني ذلك من بداية حقيقية لسقوط النظام.   

السابق
الداعوق: سياسة النأي بالنفس “حكيمة” ولاقت تفهم الجميع
التالي
تيمور وليد جنبلاط