بين التلوّث البيئي.. والسياسي!

وكأن الفوضى السياسية لا تكفي لتقضّ مضجع اللبناني بشكل يومي، حتى جاءت فضيحة تلوّث نهر بيروت البيئية لتزيد همّاً جديداً على الواقع المأساوي.
فالمشهد الذي روّع المواطنين صباح الأربعاء هو أشبه أن يكون جزءاً من فيلم رُعب حيث تلوّنت مياه النهر بلون الدم على طول مجراه، فانشغلت وزارة البيئة في تعقّب مصدر التلوّث وتحديد أسبابه، والتي تُرجِّح فرضية رمي مواد صناعية ملوّثة حيث لا يجدر أن تكون، دون حسيب أو رقيب، في وقتٍ إنعدم فيه حسّ المسؤولية الفردية مقابل التسيّب الرسمي في مؤسسات الدولة.

وإن دلّت هذه الفضيحة على شيء فهي خير دليل على الإستخفاف الواقع بهيبة الدولة والإستباحة للأملاك العامة بشكل يوازي الإستباحة الرسمية لحقوق المواطن جرّاء تعطيل الملفّات الحياتية التي تهمّه من طاقة مفقودة وقانون أجور مؤجَّل حسب مزاجية الوزير الذي أعطى لنفسه الحق بتجاوز قرار مجلس الوزراء والتوافق الذي وقّعت عليه الهيئات المعنية.
عندما يُعطي الزعيم السياسي، وهو القُدوة، خير مثال على تغليب المصلحة الفئوية وتسخير الموارد العامة ويُسيء استخدام السلطة لتحقيق المكاسب الشخصية، يسقط عندها العتب على المواطن الفاسد الذي يعكس صورة الطبقة الحاكمة.
إن التخبُّط الذي وقعت فيه الحكومة جرّاء تضارب مصالح الحلفاء وسعي فريق للهيمنة على قرار الدولة وسلامة سير الممارسة الديمقراطية داخل المؤسسات أوقع البلاد والعباد في شلل وعجز ممكن أن يتطوّر إلى أزمة مفتوحة تُغلق أبواب الإستقرار وتُشرِّع الساحة الداخلية لمختلف السيناريوهات الدموية الممكنة.

مع استعار الساحة السورية وانقطاع خطوط التواصل العربية لإيجاد المخارج المناسبة، يتزايد الضغط العوني في الداخل دافعاً بالمواجهة مع رئيس الحكومة إلى أقصى حدودها، بالرغم من نجاح الأخير في إعادة لبنان الى الخارطة الدولية مما جنّبه العقوبات الإقتصادية التي كانت مطروحة على المصارف اللبنانية بتهمة تسهيل التعامل المالي مع المصارف السورية.
يبقى الرئيس ميقاتي المرجعية الرسمية للطائفة السنّية، وقد حاول منذ توليه المسؤولية تفكيك الألغام الطائفية المزروعة في الساحة السياسية بدءاً من طرابلس وصولاً إلى زواريب بيروت، وهو اليوم يهمّ لزيارة المملكة العربية السعودية لِمَا تُمثِّل من ثقل عربي وإسلامي وللتأكيد على ميثاق الطائف الذي وضع حدّاً لحمّام الدم الذي استمر لسنين طويلة بين أبناء الشعب الواحد…

فالكلام عن وأد الفتنة وحده لا يكفي إذا لم يُقرَن بخطوات مدروسة وثابتة، وهذه الخطوات لن تكون ممكنة في ظل الحديث عن تعزيز السلاح وجهوزيته الدائمة، فوق الدولة وخارج طاولة الحوار.
فهل ينتصر مفهوم الدولة على مفهوم الأحزاب والتيّارات المتناحرة والتي فشلت حتى اليوم في تحقيق شعارات رنّانة لم تُسمِن القاعدة الشعبية ولم تُغنِها عن جوع، بل كفّرتها بالزعماء في مختلف معسكراتهم!
  

السابق
الانباء: استهداف قادة الموساد يطغى على خطاب نصر الله وجنبلاط يؤكد الحاجة إلى طائف جديد بين السنّة والشيعة!
التالي
قلق في الذكرى الأولى للانتفاضات العربية