وكأنها تُرتكب في كل 14 شباط

– 1 –
السنوات السبع التي مرّت على يوم إرتكاب الجريمة المشؤومة، مرّت زمناً، أي بالسنوات والشهور والأسابيع والأيام والساعات والدقائق والثواني، ولكنها لم تمر معنويا. الآن في السنة السابعة تبقى الجريمة طازجة كما لو أنها وقعت أول من أمس في 14 شباط من العام 2012. في العادة يخفف الوقت من وطأة كل شيء، الأحزان والموت والحب والعواطف ويعتق الأشياء أيضا، لكنه في هذه الحالة لم يكن ذا تأثير يذكر، بل على العكس إنه يجعل القضية أكثر طزاجة. وفي السنة الثامنة ستكون مازالت على حماوتها أيضا وسيستمر الأمر كذلك حتى انتهاء محاكمة القتلة، فطالما أن القتلة ما زالوا أحرارا فإن الجريمة ستكون وكأنها ارتكبت في كل 14 شباط من كل عام منذ 2005 حتى يعلن قاضي المحكمة الدولية أحكامه بحق المجرمين.

– 2 –
نحن اللبنانيين نملك ذاكرة السمكة الذهبية، التي في كل ثانية تنسى المشهد الذي مرّ منذ ثانية. ربما يكون تناسينا من تركة الحروب التي خضناها ضد بعضنا البعض وكنا كل مرة نخرج منها وننسى ما فعلناه فيها أو نتناساه، فتأصلت فينا هذه العادة وباتت جزءا من شخصيتنا. في حالة جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري يمكن الشعور بأن اللبنانيين قد قرروا نسيان الإرتجاجات التي أحدثتها، فهي أولا تبدأ بتحرر اللبنانيين من عقدة التقوقع الطائفي مع الإستثناء – من خلال تظاهرة 14 آذار التي أشعلت ثورة الأرز ودحرت الجيش السوري عن الأراضي اللبنانية بعد ثلاثين عاما من الوصاية أو الإحتلال أو كليهما، وفكّكت نظاما أمنيا مخابراتيا من أعتاها في المنطقة. ثم أن هذه الجريمة دفعت الى جرائم أخرى ارتكبت بالأشخاص الأكثر فعالية في الثورة على نظام الوصاية وشركائه اللبنانيين بدءا من سمير قصير وجبران تويني وبيار الجميل وجورج حاوي وكل الشهداء الذين لا يقلون عنهم أهمية في تحريك الثورة ودفعها. وهذه الثورة التي ضايقت شركاء النظام السوري المتوحش هذه الأيام في إغتيال مواطنيه، أدت الى حرب تموز القاسية والمدمّرة، وأدت الى إحتلال ساحة الشهداء لمدة عام ونصف من قبل فريق 8 آذار، والى إستخدام سلاح "المقاومة" في مواجهة لبنانيين آخرين في 8 أيار 2008. وكان للثورة مفاعيلها في أنحاء العالم العربي، إذ يمكن إعتبارها المحرك الأول للجمهور التواق الى الحرية والتحرر والذي أقدم على صناعة ما سمّي بالربيع العربي.

بالطبع كان نهار 14 شباط 2005، ذا تأثير ممتد ومستمر حتى الآن مع المحكمة الدولية، وبالطبع أن هذا اليوم سيبقى خالداً في التأريخ اللبناني مهما حاول البعض طمره كما هو الحال في لجنة "كتاب التاريخ" المثيرة للضحك. والتي أوقفت كتاب التاريخ عند جريمة الإغتيال من دون ذكر مفاعيلها لكي تبدو وكأنها حدث لبناني كغيره من الأحداث، وقع ثم مرّ مرور الكرام. لكن كما يقول الصينيون "الحق كالزيت دائما من فوق".

– 3 –
على عتبة الذكرى السابعة لـ14 آذار لا بد من تذكر النائب الراحل نسيب لحود، هذا الذي كان واحداً من "الموتورات" التي أدارت عجلات الثورة ودفعتها الى الأمام، هو شخصياً وحركة التجدد الديموقراطي من خلفه. نسيب لحود الذي كان طوال فترة نيابته مثال رجل السياسة "الحقيقي". والحقيقي تعني أنه كان يعرف تماما واجباته في تنفيذ عمله كنائب عن الأمة، أي مراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها، ثم صون البلاد وإستقلالها وسيادتها وأمنها. كان نسيب لحود أمينا دائماً لخطه السياسي لا ينحني مع إتجاه الرياح ولا يساوم ولا يعقد الصفقات، كان من القلة الذين لا بد من الوقوف إحتراما لهم.
كان يجب أن يكون رئيس جمهوريتنا الحلم؟ نعم بالتأكيد، لكن في هذه البلاد التي يتم إغتيالها يوميا بالمحاصصة و"التوافقات" الكاذبة، لن يصبح رجل شريف ونزيه كنسيب لحود رئيسا للجمهورية. هذه هي القاعدة الذهبية جداً.
رحيل نسيب لحود هو خسارة كبيرة لثورة الأرز أولاً، ولنا نحن اللبنانيين وتحديدا الشباب الذين سننتظر طويلا قبل أن نجد سياسيا حكيما مثله.
إنقل سلامنا واشتياقنا الى كل رفاقك يا نسيب، من الرئيس رفيق الحريري الى سمير قصير الى جبران تويني الى بيار الجميل الى وليد عيدو الى جورج حاوي الى أنطوان غانم الى كل الذين سقطوا دفاعا عن سيادة لبنان… وأبلغهم أن ربيع دمشق سيزهر ياسمينا في بيروت قريباً. 

السابق
وفاة والد السيد عباس الموسوي
التالي
تدريب عسكري مشترك مع الجيش في الناقورة