ما قصده الحريري من تعميم الإتّهام؟

توقّفت المراجع القانونية أمام المبادرة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري باتّجاه «حزب الله» وأبلغ ما فيها تحذيره من إصرار الحزب «على رفض تسليم المتّهمين»، واعتباره أنّه «أمر من شأنه تعميم الاتّهام في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري» وتحوّل المحاكمة «إلى مضبطة اتّهام سياسية وأخلاقية ووطنية من الدرجة الأولى». ما الذي قصده الرئيس الحريري في هذا التوقيت بالذات؟ وماذا يترتب على ذلك؟

تقول مصادر قانونية وجنائية معنية بملفّ المحكمة الخاصة بلبنان وتواكب خطواتها على كلّ المستويات إنّ التزامن الذي قام هذا العام بين الاحتفال بالذكرى السابعة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وما هو متوقّع من قرارات اتّهامية جديدة يمكن ان تصدر عن مدّعي عام المحكمة القاضي دانيال بالمار قبل دخول استقالته حيّز التنفيذ في 29 شباط الجاري جعل كلّ الخطوات المقرّرة وفق قوانين الإجراءات والإثبات على جانب كبير من الأهمّية متى بوشر العمل بموجبها. وجعلت جميع المعنيّين بالمحكمة من متضرّرين ومتّهمين اشخاصاً ودولاً وأحزاباً أمام العدّ العكسي لسلسلة من القرارات، والتي ستأخذ البحث في هذه الجرائم من موقع إلى آخر أكثر وضوحا بالنسبة للساعين الى الحقيقة والعدالة وأكثر إيلاما بالنسبة الى المتّهمين والمتورّطين فيها بأيّ شكل من الأشكال.

تحذير الحريري بعيون قضائية

فمهما كان نوع القرارات المتوقّعة في شكلها ومضمونها، وسواء تضمّنت قرارا اتهاميّا إضافيا ملحقا بالقرار السابق في جريمة اغتيال الحريري او انّها تناولت الجرائم الثلاث الأخرى التي اعتبرت متلازمة معها والتي شملت الى اليوم كلّاً من محاولتي اغتيال نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع السابق الياس المر او الوزير السابق مروان حمادة او جريمة اغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي، فهي كلّها لا تحتمل بالمفهوم القانوني والقضائي سوى قراءة واحدة تعزّز السير سريعا بالتحضيرات التي انطلقت للبدء بالمحاكمات الغيابية بعد إجراء الخطوات القضائية الضرورية التي ستقود بالنتيجة الى تحديد ساعة الصفر للبدء بهذه المحاكمات.
 ومن هنا، تقول المصادر، جاء تحذير الرئيس سعد الحريري من مغبّة الاستمرار بحماية المتّهمين وإبعادهم عن قوس المحكمة في توقيت دقيق من عمر المحكمة وإنجازاتها. ذلك انّ غيابهم عنها لن يوقف عمل المحكمة ولا الآليّات المحددة للإنطلاق بالمحاكمة ولو غيابيّا. بل إنّ في استمرار هذه الحماية محاذير عدّة ستبرز خطورتها عند البدء بالكشف عن الكثير من الحقائق التي توصّلت اليها لجان التحقيق العاملة بإشراف المدّعي العام شخصيّا. وكلّها من الأدلّة الدامغة التي استند اليها القرار الاتّهامي الأوّل في توجيه الاتّهام مباشرة الى اربعة من المطلوبين الى اليوم، والتي اعتبرت كافية بنظر المدعي العام ورئيس المحكمة للإنطلاق بالمحاكمة الغيابية. وتضيف المصادر في قراءتها لما سيواكب بدء المحاكمة الغيابية المتوقّع بدؤها نهاية آذار المقبل، أنّ التحقيق لا يقتصر على الأسماء المتّهمة الأربعة وأدوارهم في الجريمة، فهم بهذا المنطق القانوني "قتلة مأجورون أخسّاء" – كما يقول التوصيف القانوني – ولا يمكن ان تتجاوز ادوارهم المراحل التنفيذية. وما هو مؤكّد الى اليوم انهم ليسوا ممّن أمروا بالعملية ولا من الذين خطّطوا، فهم مأمورون.

منفّذو الجريمة بالعشرات

وما بات ثابتا أيضا انّ الجريمة التي ارتكبت في 14 شباط 2005 ليست من تدبير هواة بقدرات المتّهمين الأربعة فحسب. بل انّها تحتاج الى فريق قد يصل الى عشرات الأشخاص من مختلف الإختصاصات والخبرات. فريق يمتلك قدرات هائلة على الرصد وجمع المعلومات وعلى معرفة كاملة بأهمّية الإجراءات التي كان الرئيس الشهيد يتّخذها لحماية موكبه وحجم المعدّات التي يمتلكها الموكب الذي كان يقلّه، وما فيه من معدّات ترصد وتلقط الأصوات على مدى إشعاع النظر المكشوف كما بالنسبة على قدرته على التشويش والقدرات الكافية لتعطيل كلّ هذه المعدّات وجعلها بلا قيمة فعليّة. ولذلك كلّه، فإنّ المحكمة لن تتوقف في محاكمتها للمطلوبين الأربعة بقدر ما ستتوسّع في اتهاماتها الى أشخاص لهم أدوار اكبر بكثير من ادوارهم، وهو أمر سيفتح المحاكمات على افق واسع يتناول في مرحلته الأولى إلقاء الضوء على أسماء ومواقع وشخصيّات توصّلت التحقيقات الجارية الى تحديدها في خطّ تصاعدي بدا مع ما كشفه رئيس فريق تقصّي الحقائق بيتر فيتزجيرالد، وبعده الرئيس الأوّل للجنة التحقيق ديتليف ميليس، وبعده سيرج براميريتس قبل ان ترفع ملفّاتهما الى القاضي دانيال بالمار الذي اكمل الطريق بانتظار ان يسلّم الأمانة الى خلفه المجهول الى اليوم، والذي سيقود المرحلة المقبلة بدءاً من نهاية الشهر الجاري.

المُتّهمون الأربعة أصغر المنفّذين

على كلّ حال، تجزم المصادر التي تواكب عمل المحكمة أنّ تحذيرات الرئيس الحريري في شكلها ومضمونها وتوقيتها في محلّها، باعتبار أنّ من يعرقل تسليم المُتهمين الأربعة الى المحكمة اليوم قد يُدان بأيّ شكل من الأشكال وأقلّه بتهمة إعاقة العدالة. وسط قناعة بدأت تتكوّن في أذهان المهتمّين بملف المحكمة بأنّ الجرم الذي ارتكبه الأربعة المطلوبون اليوم سيكون أصغر بكثير ممّا ستؤكّده وتكشفه المحكمة. ومنهم من يراهن على أنّ ما سيصدر من قرارات بحقّهم سيكون في أدنى سُلّم الأحكام المنتظرة من المحكمة مهما طال الزمن.  

السابق
نقل المخطوفين الإيرانيين
التالي
نصرالله يقرع طبول المعركة اليوم!