لماذا التلكؤ؟

بدت الجامعة العربية في قراراتها الأخيرة عن سورية كأنها تسير في خط مواز لا يتقاطع مع التطورات الحاصلة في هذا البلد، ويعجز عن اللحاق بعجلة الحل الأمني التي سرع نظام دمشق حركتها.

فالدعوة إلى إرسال قوات حفظ سلام عربية ودولية برعاية الأمم المتحدة تبدو ضرباً من الخيال في الوقت الراهن بسبب الاصطدام الأكيد بالرفض الروسي – الصيني الذي سيحول دون إقرارها، فضلاً عن ضرورة قبول سورية نفسها بها. فيما جاء الاكتفاء بالدعوة إلى فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية، بحجة أنها ليست موحدة، دون آمال المعارضين في الحصول على اعتراف واضح وحازم من المؤسسة العربية الأم بشرعية تمثيلهم للشعب السوري.

ويأتي التلويح بإمكان لجوء بعض الدول العربية إلى تسليح المعارضة «إذا استمر القتل»، بمثابة مواصلة منح قرينة البراءة للنظام السوري مجاناً، فيما هو يمعن في القيام بالأمر الوحيد الذي يجيده: القتل الذي لن يتوقف، لأن هذا النظام لا يمكنه بحكم تركيبته الأمنية أن يتعايش مع المعارضة، أي معارضة، من دون أن يلجأ إلى سحقها كما يحاول الآن.

ولو أخذنا ما حصل في ليبيا مثالاً، نرى أن العالم هب لمساعدة شعبها عندما حشد نظام القذافي جيشه وترسانته لمهاجمة بنغازي المتحررة، فحال دون مجزرة جماعية أكيدة، فهل يختلف الأمر عما يحصل في حمص وحماة ودرعا والزبداني اليوم؟ وهل انخراط الآلة العسكرية السورية في التدمير الممنهج لأحياء كاملة على رؤوس قاطنيها يقل عنفاً ووحشية وتهديداً عما فعله القذافي وما كان ينويه؟

صحيح أن القوى العربية والدولية التي سارعت إلى نجدة الليبيين فعلت ذلك بتكليف من مجلس الأمن، لكن ما العمل إذا كانت موسكو وبكين تحولان دون قيام المنظمة الدولية بواجبها نحو المدنيين السوريين؟ هل يقف العالم مكتوف الأيدي ويواصل منح نظام الأسد مهلة تلو الأخرى؟
 «أصدقاء الشعب السوري» سيجتمعون في تونس بعد أيام للبحث في إمكان تجاوز عقدة مجلس الأمن وتقديم الدعم المباشر للمعارضين، والأمل هو أن يخرج المجتمعون عن ترددهم، ويتفقوا على أن لا حل ممكناً من دون تسليح المعارضة لمعالجة الخلل الفادح في موازين القوى بين الدبابة والمدفع والطائرة من جهة والتظاهرة من جهة ثانية، ومن دون إقامة مناطق آمنة في الداخل السوري لحماية المدنيين من نظام يشن حرباً شاملة على شعبه.

والأمل أيضاً في أن يخرج المجتمعون من حال الضياع السائدة على المستوى العربي والإقليمي والدولي، وأن يقدموا حلولاً عملية لإخراج هذا البلد من أزمته، لأن لا أحد يستطيع أن يتكهن بما ستؤول إليه الأمور مع استمرار تعرض السوريين لعنف أكبر آلة قمع في المنطقة من دون رادع.

والمفروض أن لا ينخدع أحد بـ «عمليات التجميل» التي باشرها نظام دمشق بإعلانه موعداً قريباً للاستفتاء على دستور جديد قيل إنه يخلو من الإشارة إلى أي دور قيادي لحزب «البعث»، وكأن هذا الحزب هو من يحكم سورية حالياً، وليس إطاراً مفرغاً من كل صلاحية يُستخدم غطاء لحكم الفرد والعائلة، أو كأنه يراد للسوريين والعالم أن يصدقوا بأن القرارات في سورية تتخذها الهيئات الحزبية الصورية والمؤسسات الدستورية الشكلية التي تكتفي بالتصفيق وهز الرأس بالموافقة عندما يقرر الرئيس وحاشيته.

القمع والقتل سيستمران ويشتدان والمؤسسات الدولية مكبلة اليدين، فلماذا التلكؤ في نجدة السوريين من خارج الأمم المتحدة؟ 

السابق
النهار: تمديد سَلِس للمحكمة بأخذ العلم وجنبلاط لطائف جديد وينتقد البيال
التالي
خطاب الحريري… في مرمى السيد حسن نصر الله اليوم