ترجمة إلكترونية فورية لخطابات 14 شباط

لا يمكن أيّ لبناني إلا أن يستبشر كل الخير بكلام مجمع «بييل» أول من أمس. لا بل وحده أعمى البصيرتين هو من لا يرى كل الحل الجذري لكل مسمّى «القضية اللبنانية»، في ما كان هناك وحصل، شكلاً ومضموناً. ذلك أن تلك القضية منذ ولادتها مع توليد هذا الكيان، كانت قائمة على ثلاث حلقات ـــ أزمات: حلقة الفرد مع أزمة تخلف ثقافته السياسية. ثم حلقة الجماعة ـــ الطائفة، وسط أزمة نظام دستوري لم يعرف يوماً كيف يضمن المشاركة العادلة على توازن الخصوصية والوحدة. وأخيراً حلقة علاقة لبنان بسوريا، مع أزمة تلك الجدلية التاريخية: أيّهما أهم وأولى، الاستقرار أم الاستقلال؟ على خلفية التجارب التاريخية التي تشي باستحالة الاثنين معاً…

كل ذلك وجد حلوله في ذلك المجمع قبل يومين. فلجهة الفرد، ها هي قاعة كاملة، مملوءة حشراً بكل كادرات كل الوطن، تقف على أرض مطمورة من الأملاك العامة، ثم معطاة بشكل تهريبة لمنفعة خاصة درَّت مليارات، ومحمية من قبل «شيء ما» يشبه شركة مقوننة في زمن الاحتلال، سرق قلب العاصمة ومعه نحو 70 مليار دولار… المهم أنهم كانوا كلهم هناك، جاءوا من كل لبنان ليعلنوا ولاءهم، لا بل بيعتهم وعهدهم للديموقراطية. بعد مهرجان «سوليدير سور مير»، لا أسماء من إخراجات القيد العائلية، لا أبناء، لا أحفاد، لا عائليات لا وراثة لا إقطاع لا تخلف… كل ذلك دُفن على رمل المجمع، تماماً كما دفنت تحته آخر مساحة مشتركة لمدينية وطن، كان اسمها بيروت…

أما لجهة أزمة الجماعات، فها هم سنّة ومسيحيين ودروزاً و… شيعة أيضاً، ولو على قاعدة التمثيل الرمزي، كلهم شهدوا على تطمينات ابن الحريري وضماناته: لا استقواء، لا غلبة، لا إقصاء ولا درجات. يبقى قانون الانتخاب وبلدية العاصمة وعطلة الجمعة العظيمة وانضمام لبنان إلى منظمة «اليكسو» لأسلمة الثقافة والسلوك والتربية والمجتمع… كل ذلك تفاصيل، يكاد يقسم الرجل وهو عليل، فمن لا يصدق قسم متضرّع في علّته؟!بقيت أزمة لبنان وسوريا، تلك التي أنهكت البلدين منذ كانا، ذللت بلحظات، بل بكلمات. حتى إنها لم تحتج إلى حضور جسدي، إذ جاء حلها برقياً، وتلاوة أمينة طبق الأصل. لا بد أنها ذكّرت قارئها بتلاوة برقية إليوت إنغل قبل ثمانية أعوام… رحم الله نسيب لحود! المهم أن الحل اللبناني السوري أُنجز أمس في مجمع الأعراس والسمك وملاهي السقوف. رسمت الحدود بلمحة، من شبعا حتى النهر.

يرتاح السامع. يكاد يسكنه الحبور. تنتهي الخطابات، وأنت تريد المزيد. لم تكتف، لم ترتو. بل زادتك الإنجازات الفورية عطشاً. فتذهب سريعاً الى المواقع الإلكترونية العائدة لقاعدة الفريق نفسه. لتواصل الاحتفال معها بالحل الجذري والنهائي. تفتح الصفحات شغوفاً، تقتطع كمية من الشعارات، تأخذها كما هي، بكل بلاغتها النحوية والقواعدية القحة، تعميماً للفائدة:
«لكم منّا كل النصرة يا إخواننا، كنتم السبّاقون (!) فينا إلى نصرة أهلنا في سوريا العز وفي دعم ومأزرة صفحات أهل السنّة في لبنان وإن شاء الله ننصركم»…
«من كان يحب الله ورسول (!) فليصوت لما يحبّ الله: نصر من الله وفتح قريب».
«لحمد لله صرنا نشوف الضباط عم يصلوا جماعة، كل عمرو الجندي الجيش السوري بيحلم يصلي صلاة بالخفاء …الله اكبر الله اكبر …هي لله هي لله»…
«أبـطـال الـســـنـة قـد عـادوا».. .
«ان الروافض قد أعلنوها حرباً علينا … فهل أنتم مستعدون للمواجهة؟»…
«رب انصر الإسلام والمسلمين في كل بقاع الأرض»…
«ستشرق شمس الإسلام….وتضيئ للعالمين مناراً»…
«اقترب موعد الخلافة إنشاء الله وعندها سيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ سينقلبون»…
«جسد واحد ،أمة واحدة، وبإذن الله نحو دولة واحدة»…
«كيف لا ينتصر جيش قدوته خالد بن الوليد ومحمد الفاتح وأسد الإسلام حمزة؟»…
«حمص تفدي طرابلس وطرابلس تفدي حمص…..لعنة الله على الاستعمار الفرنسي وعلى سايكس ـــ بيكو الذي وضع الحدود ليفرق طرابلس عن أختها حمص….والله أمة واحدة وقريباً دولة واحدة ولن يبعدنا عنكي(!) يا حمص إلا الموت»…
«الشهداء ليسوا أموات(!) في القبور إنما أحياء أحياء أحياء والحور العين ينتظروهم(!) ليأكلوا فور الشهادة»…
«يا أحرار حلب: الحور تناديكم بقولها طالما انتظرناكم، الجنة تناديكم…ألا فلبّوا النداء»…
«نقسم عليك يا رب أن تثبت أقدامنا وتنصرنا على القوم الكافرين»…
«ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم»…
«اللهم عليك بكل من وقف مع نظام الأسد دولاً وأفراد(!) وطوائف»…
عشتم… وعاش لبنان.  

السابق
ملاحظات على خطباء مهرجان البيال
التالي
عقاب صقر: لا ثورة من بروكسل ولا نائب لبناني… بل زوج لنادين فلاح !!