السفير: فضيحة المازوت: أين ذهبت المليارات منذ 2004؟

يبدو أن تجميد جلسات مجلس الوزراء قد حقق أحد أهدافه المضمرة، وهو تمرير التمديد لعمل المحكمة الدولية لثلاث سنوات، بأقل صخب ممكن، على قاعدة أن عدم إجابة المجلس «المعطل» على كتاب بان كي مون بشأن التمديد يعني الموافقة الضمنية عليه.
وقد اكتمل «الإخراج» أمس من خلال استقبال الرئيس ميشال سليمان كلاً من وزيري الخارجية عدنان منصور والعدل شكيب قرطباوي لإطلاعهما على مضمون الكتاب الوارد اليه من الامين العام للأمم المتحدة، والذي يؤكد فيه عزمه على التمديد لعمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والقضاة الملحقين بها مدة 3 سنوات. ووفق البيان الصادر عن المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري تم «أخذ العلم» بذلك، «نتيجة الاتفاق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كون المسألة محصورة بموضوع مدة التمديد».
في هذه الأثناء، رمى النائب وليد جنبلاط أمس حجراً في المياه السياسية العكرة، عبر موقف لافت للانتباه، اعتبر فيه أن «اتفاق الطائف انتهى، ونحن بحاجة إلى طائف جديد بين السنة والشيعة، أي بحاجة إلى تسوية جديدة».
فضيحة المازوت… تابع
وإذا كانت الدولة حريصة على تسيير أمور المحكمة، بالتي هي أحسن، فإن مصالح الناس وملفات المال العام تبقى رهينة التجاذبات السياسية وضحية الشلل في عمل مجلس الوزراء الذي ما زال غارقا في الـ«كوما». ولعله من المفيد التساؤل في هذا السياق: أين أصبح التحقيق في فضيحة المازوت الأحمر المدعوم، لمن ما زال يتذكرها.. هذه الفضيحة التي التهم أبطالها ملايين الدولارات على حساب ضحايا الصقيع، من دون ان تتكشف حتى الآن كل أسرارها وألغازها، علما ان هناك 200 شركة تستلم المازوت وتوزعه، وبينها شركات «غب الطلب»، لا تظهر إلا في شهر الدعم لتحقيق أرباح سريعة عبر تخزين المازوت ومن ثم بيعه بعد رفع الدعم عنه، في سيناريو يتكرر منذ عام 2004 وبلغت كلفته حتى عام 2011 أكثر من 210 مليارات ليرة، ذهب جزء كبير منها الى جوب المنتفعين على حساب المواطنين!
في المعلومات، ان النيابة العامة في ديوان المحاسبة أنجزت تحقيقها حول فضيحة المازوت الأحمر ورفعت تقريرا مفصلا بشأنه، الى الغرفة المختصة التابعة لـ«الديوان» كي تنظر فيه وتصدر الأحكام المناسبة، وهو الأمر الذي يحتاج الى وقت طويل، نسبيا، كما أفادت مصادر مطلعة.
وبينما تردد ان عددا من الموظفين في منشآت النفط ومصلحة حماية المستهلك التابعة لوزارة الاقتصاد سيُسند إليهم «الإهمال» في ممارسة عملهم، اعتبرت أوساط متابعة لهذا الملف ان تهمة الإهمال لا تتناسب مع حجم الجرم المرتكب، فيما قال رئيس ديوان المحاسبة القاضي عوني رمضان لـ«السفير» ان التحقيق الذي أجرته النيابة العامة في «الديوان» قد توصل الى وجود شبهة حول ضلوع أشخاص محددين في فضيحة المازوت الأحمر، أُدرجت أسماؤهم ضمن التقرير المعد، لافتا الانتباه الى ان قرار النيابة العامة يبنى على الشبهة، بينما تبني الغرفة المختصة قرارها على اليقين، ونحن ننتظر الأحكام التي ستنطق بها بعد مثول المشتبه بهم أمامها.

باسيل يشكل لجنة تحقيق
وفي سياق متصل، علمت «السفير» ان وزير الطاقة جبران باسيل قد شكل لجنة تحقيق للذهاب حتى أقصى الحدود والاحتمالات في عملية التدقيق بتسليم مادة المازوت الأحمر أثناء فترة الدعم والفترات السابقة واللاحقة، مع مفعول رجعي يعود الى عام 2004، امتدادا حتى الفصل الأخير.
ونص قرار الوزير الصادر في 8 شباط الحالي على تعيين لجنة مشتركة قوامها:
– القاضي ألفرد سرحان، رئيسا (المستشار القانوني للجنة إدارة منشآت النفط في طرابلس والزهراني).
– القاضي هدى بطرس الحاج، عضوا (مكلفة بالاستشارات القانونية لدى وزارة الطاقة والمياه).
– غسان بيضون، عضوا (مدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة والمياه – مدقق سابق في ديوان المحاسبة).
– صفاء إبراهيم، عضوا (رئيس دائرة التموين والتوزيع في المديرية العامة للنفط).
– ومندوبون عن وزارات المالية والاقتصاد والعدل، إذا رغب الوزراء المعنيون في ذلك.
وورد في القرار ان مهمة اللجنة التدقيق في موضوع تسليم لجنة إدارة منشآت النفط في طرابلس والزهراني لمادة المازوت الأحمر للشركات خلال فترة الدعم المحدد بقرار مجلس الوزراء رقم 2 تاريخ 14/12/2011، ومعرفة مدى حصول مخالفات قانونية أو إدارية أثناء تسليمها للمادة المذكورة ضمن فترة الدعم، والفترات السابقة واللاحقة لها، وتحديد أي مسؤولية في التقصير، المتعمد او غير المتعمد، أو التواطؤ في حال ظهر ذلك في الإدارات المعنية (…).  وجاء في القرار انه يحق للجنة التدقيق الاجتماع بمن تراه مناسبا من الموظفين في المديرية العامة للنفط – لجنة إدارة منشآت النفط في طرابلس والزهراني، وطلب المعلومات منهم بما فيها المعلومات حول الشركات المسلّم لها المازوت الأحمر، وتوزعها المناطقي والإسمي، وأي ارتباطات قائمة لها بأصحاب الشأن الإداري والسياسي، وإجراء كافة الدراسات والمقارنات خلال فترة الدعم وما سبقها وبين السنوات الأخرى منذ عام 2004 تاريخ بدء الدعم، والاطلاع على المستندات أيا كانت وأينما وُجدت والمتعلقة مباشرة او غير مباشرة بعملية تسليم لجنة إدارة منشآت النفط في طرابلس والزهراني لمادة المازوت الأحمر أثناء فترة الدعم موضوع قرار مجلس الوزراء رقم 2 تاريخ 14/12/2011، ومقارنتها بما قبل الدعم والسنوات السابقة، على أن يتم إتباع الأصول في ذلك.
..ويراسل «الديوان» و«التفتيش»
كما وجه باسيل في 7 شباط الحالي كتابين الى ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي طلب فيهما الذهاب بالتحقيق الى نهايته «وتحديد المسؤوليات العامة عن تكرار الخطأ على الرغم من تحذيراتنا المتكررة»، ومشددا على انه منذ استلامه وزارة الطاقة والمياه عارض باستمرار في مجلس الوزراء موضوع توفير الدعم الموسمي لمادة المازوت الأحمر، تيقنا منه بأنه يؤدي حكما الى قيام تجارة موسمية.
وجاء في الكتابين انه: مع اقتراب فصل الشتاء الحالي، تقدمت وزارة الطاقة والمياه من مجلس الوزراء بتاريخي 2/12/2011 و9/12/2011 بكتابين تعارض فيهما مجدداً مبدأ الدعم وتقترح إقرار مشروع قانون لإلغاء الضريبة على القيمة المضافة نهائياً عن مادة المازوت الأحمر.
وكان أن أصر بعض الوزراء على ضرورة البدء بالتخفيض فوراً، وكان موقفنا بوجوب التريث إلى حين صدور القانون كي لا تتحول القضية إلى دعم جديد مؤقت، فكان أن حصل توافق سياسي في مجلس الوزراء قضى ببدء الدعم مؤقتاً بمبلغ 22,5 مليار ليرة لبنانية لمدة شهر كامل تبدأ من 19/12/2011 وتنتهي في 18/1/2012، على أن يتم إقرار القانون في مجلس النواب قبل نهاية هذا الشهر ـ بعد إصرار منا ـ (..) ومن أجل البدء بآلية احتساب كميات المازوت، أرسلنا كتاباً إلى معالي وزير المالية بتاريخ 23/12/2011 فأتى جواب وزارة المالية بتاريخ 18/1/2012. (…)
لكن مجلس النواب لم يقر وحتى تاريخه القانون الرامي إلى إلغاء الضريبة على القيمة المضافة عن مادة المازوت الأحمر، وهو ما حوّل قرار مجلس الوزراء إلى دعم جديد ومؤقت لفترة شهر لمادة المازوت.
وتابع باسيل في الكتابين: حصلت ضجة إعلامية حول بيع كميات كبيرة من المازوت الأحمر في اليوم الأخير من فترة دعم المازوت، فطلبنا الاستفسار من منشآت النفط حول ما حصل، التي رفعت إلينا تقريراً أولياً بتاريخ 23/1/2012 وتقريراً ثانياً بتاريخ 25/1/2012 تم رفعهما إلى رئاسة الحكومة بتاريخ 26/1/2012 طالبين متابعة التحقيقات حتى النهاية من قبل الأجهزة الرقابية وإعلان نتائج التحقيقات.
إن ما تقوله لجنة إدارة منشآت النفط يمكن تلخيصه بما يلي:
1 ـ إن مجمل الكميات المباعة هي أقل من سقف السلفة المعطاة من مجلس الوزراء البالغة 22,5 مليار ليرة لبنانية وبالتالي هنالك وفر بحدود 3 مليارات ليرة لبنانية تم إبلاغ مجلس الوزراء بها.
2 ـ إن الكميات المباعة في اليوم الأخير بلغت 7,5 ملايين ليتر، وإذا كانت تزيد عن اليومين السابقين نتيجة ارتفاع أسعار المازوت الأسبوعية نهار الأربعاء، مما حقق دخلاً إضافياً للمنشآت وبالتالي مورداً إضافياً للمال العام كون المنشآت تعمل وفق قانون التجارة اللبناني وتبغي الربح، إلا أنه، لا يزيد عن أيام أخرى عديدة خلال فترة شهر الدعم والتي بلغت إحداها 8,5 ملايين ليتر.
3 ـ إن المنشآت أبلغتنا بأنها سلمت يومها «البونات» في أوقات الدوام العادي، إلا أن انخفاض مستوى كميات المازوت في الخزانات أدى إلى إطالة فترة التعبئة للصهاريج، كما أن اشتداد الطلب على طرابلس نتيجة إقفال الزهراني لعدم إفراغ الباخرة فيها بسبب الطقس العاصف، أديا إلى التأخير ليلاً في تسليم الكميات الصادرة «بوناتها» نهاراً.
وأبلغ باسيل «السفير» انه قرر ان يفتح ملف المازوت الأحمر من جذوره،»وإذا كان البعض يريد ان يعرف ماذا جرى بالمازوت المدعوم في هذا العام ومن استفاد منه، فأنا أريد ان أعرف كيف كان يتم التصرف بهذه المادة منذ عام 2004 وحتى اليوم، لأن الدعم ليس إبن البارحة، بل هو مزمن، والهدر الذي حصل هذه المرة حصل مثله مرات كثيرة في الماضي. ورأى ان رائحة المازوت ستفوح من كثيرين قد يثبت تورطهم، إلا تكتل «التغيير والإصلاح».
نحاس: لم تردنا شكاوى
من ناحيته، قال وزير الاقتصاد نقولا نحاس لـ«السفير» انه يتوقع الانتهاء خلال اليومين المقبلين من التقرير الذي تعده الوزارة حول مكامن الخلل في مسار المازوت الأحمر، مؤكدا ان «ما نقوم به هو عمل دقيق ومفصل». وأشار الى ان التقرير سيلحظ كيف يتم بيع المازوت، ومن يتسلمه، وآلية التوزيع.
وأوضح ان مصلحة حماية المستهلك في الوزارة كانت تتلقى في السابق شكاوى من وزارة الطاقة، «كنا نعمل على ملاحقتها ومتابعتها، أما هذه المرة فلم تردنا أي شكوى».
لجنة المال
وبينما كان منتظرا ان تعقد لجنة المال والموازنة النيابية جلسة لها اليوم للبحث في ما آلت إليه التحقيقات حول المازوت الأحمر المدعوم، أعلن رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان عن تأجيل الاجتماع الى الاثنين المقبل، لأن العديد من الوزارات والإدارت المختصة الى جانب هيئات الرقابة الإدارية والقضائية لم ترسل بعد تقاريرها الى اللجنة، باستثناء وزارة الطاقة.
وقال كنعان لـ«السفير» ان اللجنة ستذهب حتى النهاية في ممارسة الرقابة على هذا الملف، حتى يتوقف الاستهتار بحياة الناس ودفئهم، ولا تراجع الى الوراء. واعتبر ان المسؤولية عن الهدر الذي حصل تقع بالدرجة الأولى على الحكومة وكل من سار في سياسة الدعم الموسمي التي تسمح للشركات والتجار بتخزين المازوت الاحمر، من دون ان تتولى مصلحة حماية المستهلك مراقبة السوق وملاحقة المحتكرين، مشددا على أهمية معرفة ارتباطات الشركات ومن يحميها بالسياسة.
لجنة الطاقة
أما رئيس لجنة الطاقة النيابية النائب محمد قباني فقال لـ«السفير» إنه يخشى من ان تُختصر المسألة في نهاية المطاف بمحاسبة رمزية لبعض الموظفين الصغار، من أجل حماية الرؤوس الكبيرة في فضيحة المازوت الأحمر، لأن الهيئات الرقابية اعتادت، وللأسف، على ان تلاحق فقط المرتكبين الصغار وتغض الطــرف عن المحرضين والمتواطئين من النافذين الكبار.
واعتبر ان ما جرى لا يمكن ان يتم من دون تغطية او تواطؤ من أصحاب القرار الفعلي في المنشآت النفطية وخارجها. وأضاف: في حال شعرت بأن هناك اتجاها للفلفة القضية وتمييعها، فإنني سأفجر مفاجأة وسأبوح بكل المعلومات التي أملكها حول الشركات المستفيدة من دعم المازوت الأحمر وكيفية إتمام عمليات البيع المشبوهة والكميات المباعة والمسؤولين الفعليين عن هذه الفضيحة.
 

السابق
اللواء: ميقاتي ينتظر مبادرة .. وبري بانتظار إشارات إقليمية
التالي
البناء: أمر عمليات أميركي نقله فورد الى المعارضة في باريس: دمروا البنى التحتية السورية فهي وحدها تسقط النظام