إيران مستعدة للمحادثات

ثمة كم هائل من التكهنات حول شن إسرائيل هجوما على منشآت نووية إيرانية، لكن لا تعقد سوى مناقشات محدودة حول ما إذا كان من الممكن أن تنجح المساعي الدبلوماسية، على نحو يلغي الحاجة لاتخاذ إجراء عسكري.
يحدو كثيرا من الخبراء الشك في أن طهران يمكن أن تقبل اتفاقا يوظف التحقيقات المتعمقة ويمنع أو يقيد أنشطة تخصيب اليورانيوم، بهدف عرقلة أي تقدم صوب امتلاك أسلحة نووية، مع السماح في الوقت نفسه بتطوير طاقة نووية مدنية. لكن قبل أن نفترض أن الدبلوماسية لن تجدي نفعا، من المهم أن نضع في حسباننا أن الإيرانيين يواجهون الآن ضغطا تعجيزيا وأن قادتهم قد غيروا سلوكهم في الماضي استجابة لذلك الضغط. وبصرف النظر عن تبجحها، فإن ثمة إشارات دالة على أن طهران تبحث حاليا عن مخرج.

لقد تغيرت كثير من الأمور خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ففي يناير (كانون الثاني) 2009، كانت إيران توسع من نطاق تأثيرها عبر أنحاء الشرق الأوسط، وكان القادة العرب يتحاشون انتقاد إيران علنا، خيفة أن يتسببوا في استثارة رد فعل عنيف من جانبها. بالمثل، لم تكن الحكومة الإيرانية تواجه ضغوطا اقتصادية كبيرة؛ فقط الإيرانيون تكيف مع العقوبات المتزايدة التي كانوا يواجهونها في ذلك الحين.
واليوم، باتت إيران أكثر عزلة من أي وقت مضى. فالتوازن الإقليمي يتحول ضد طهران، بقدر ليس بضئيل بسبب دعمها الدائم لنظام بشار الأسد المتأصل في سوريا. إن نظام الأسد يتداعى، وفي الوقت نفسه، سوف تخسر إيران حليفها الوحيد في العالم العربي وقناتها لتسليح جماعة حزب الله في لبنان.

لم تعد الدول العربية المجاورة لإيران في الخليج العربي، بل وحتى الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة، تتردد في انتقاد طهران. لقد ذهب الخوف من ترويع الإيرانيين إلى غير رجعة، حيث تعهد السعوديون على الفور بأن يسدوا الفجوة ويلبوا احتياجات أوروبا النفطية، حينما أعلن الاتحاد الأوروبي قراره بمقاطعة شراء النفط الإيراني. وحتى بعد أن أدانت إيران خطوة السعودية بوصفها إجراء عدائيا، لم يتراجع السعوديون.
ليس باستطاعة إيران التعامل مع أي بنك دولي يحظى بسمعة مرموقة أو الحصول على ائتمان منه، كما أنه ليس بإمكانها تأمين سفنها أو العثور على مستثمرين في مجال الطاقة بسهولة. وبحسب وزارة النفط الإيرانية، يحتاج قطاع الطاقة إلى استثمارات يزيد رأسمالها على 100 مليار دولار من أجل إحياء بنيتها التحتية البالية؛ وهو يواجه الآن نقصا حادا.
وقد ساعدت العقوبات الأميركية المفروضة على البنك المركزي في إيران وتلك البنوك والمؤسسات التجارية التي تجري تعاملات معه في خفض قيمة عملتها بصورة هائلة. خلال الأسابيع الستة الماضية، انخفضت قيمة الريال الإيراني بشكل هائل في مقابل الدولار، لتضيف المزيد إلى الأزمات الاقتصادية العسيرة التي تواجهها إيران في الوقت الراهن.
وما زالت حمولة الحبوب على متن السفن التي لن يتسنى لها إفراغ حمولتها في الموانئ الإيرانية، نظرا لأنه لم يتم السداد للموردين؛ يتم تخزين النفط الإيراني في ناقلات النفط، حيث يطالب المشترون الإيرانيون بتخفيضات من أجل شرائه؛ وحتى تلك الدول المستمرة في تنفيذ تعاملات مع إيران لا تسدد بالدولار. وتخطط الهند لشراء نسبة 45 في المائة من نفطها من إيران بعملة الروبية، مما يعني أن إيران ستجبر على شراء سلع هندية ربما لا ترغب فيها أو تحتاجها.
لقد سعت إدارة أوباما في البداية إلى المشاركة الفعلية مع إيران، لكنها فهمت أنه إذا ما أوقف القادة الإيرانيون تلك الجهود، فسيتعين على أميركا ممارسة ضغط غير مسبوق من أجل تقويض مطامح طهران النووية.
بدءا من عام 2010، عملت واشنطن بشكل ممنهج من أجل فرض ضغط سياسي ودبلوماسي واقتصادي وأمني على إيران، مما يوضح أن تكلفة عدم الامتثال سوف تستمر في الارتفاع، مع الاستمرار في إتاحة مخرج للإيرانيين. وضعت تلك الاستراتيجية في الاعتبار كيف قام الإيرانيون بتعديل سلوكهم في الماضي لتفادي الضغوط الرئيسية – بدءا من إنهاء الحرب مع العراق في عام 1988، مرورا بوقف اغتيالات المنشقين الإيرانيين في أوروبا في تسعينات القرن العشرين وانتهاء بوقف أنشطة تخصيب اليورانيوم في عام 2003.

لقد خلقت إدارة أوباما الآن موقفا، باتت الفرصة مهيأة فيه لنجاح المساعي الدبلوماسية. ويبقى السؤال الذي لم تتحدد إجابته بعد هو ما إذا كانت ستنجح بالفعل أم لا.
تخشى إسرائيل من احتمال أن تفقد خيارها العسكري، وربما ترفض الانتظار إلى أن تؤتي المساعي الدبلوماسية ثمارها.
لقد طالب القادة الإسرائيليون، من بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مرارا وتكرارا بـ«عقوبات تعجيزية»، على نحو يعكس اعتقادا مفاده أن سلوك إيران يمكن أن يتغير بممارسة القدر الكافي من الضغط عليها. وتشير حقيقة أنه قد أدى فرض العقوبات التعجيزية في النهاية إلى زيادة احتمال أن تمنح إسرائيل هذه العقوبات والاستراتيجية الدبلوماسية الهجومية المرتبطة بها فرصة للنجاح. ويجب أن تفعل.
غير أنه ليس من الواضح ما إذا كان المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الذي يعتمد نظامه بدرجة كبيرة على العداء لأميركا، يعتزم إبرام اتفاق يتعلق بالشأن النووي أم لا.
على الرغم من ذلك، فإن إيران تشير الآن إلى اهتمامها بالمساعي الدبلوماسية. فقد أعلن وزير خارجيتها، علي أكبر صالحي، أن إيران ستستأنف المحادثات مع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن والألمان. وأشار مؤخرا إلى أن إيران سوف تناقش مقترح روسيا التدريجي من أجل تخفيف حدة المواجهة النووية، التي رفضت إيران التفكير فيها حينما تم اقتراح شكل منها العام المنصرم.
واليوم، مع شعور إيران بالضغط، يبدو قادتها مستعدين بشكل مفاجئ لإجراء محادثات. بالطبع، ربما تحاول حكومة إيران إطالة أجل المحادثات، مع مواصلتها العمل في برنامجها النووي. لكن إذا كانت تلك هي استراتيجيتهم، فسوف يواجهون ضغوطا أشد، مع بدء مقاطعة أوروبية مخطط لها للنفط الإيراني في 1 يوليو (تموز).
إضافة إلى ذلك، فإنه نظرا لعزم أوباما المعلن على منع إيران من تصنيع أسلحة نووية، ربما يُزيد قادة إيران بشكل فعلي من احتمالات استخدام القوة ضد منشآتهم النووية نتيجة مماطلتهم.
ربما تمتلك إيران طاقة نووية مدنية، لكنها ينبغي ألا تمتلك أسلحة نووية. في النهاية، سيتعين على آية الله خامنئي تحديد ماهية ما يمثل تهديدا أكبر لحكمه: إنهاء مساعيه لامتلاك أسلحة نووية، أو مواصلتها بشق الأنفس في ظل تصاعد الضغوط الاقتصادية المعرقلة.
وفي الوقت الذي ترزح فيه إيران تحت وطأة العقوبات، يتوفر الآن المناخ المواتي لإنجاح المساعي الدبلوماسية. وسوف تحدد الأشهر القليلة المقبلة ما إذا كانت ستنجح أم لا.
* مسؤول سابق بوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، وعمل مستشارا خاصا للرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط وأفغانستان وجنوب آسيا في الفترة من 2009 إلى 2011.

  

السابق
أغرب طريقة لبيع اللبن الطازج
التالي
قبلة البرادعي على وجنة أنجلينا جولي تُثير عاصفة