إلى أين تمضي أميركا ببرنامج الاغتيالات؟

عندما أصدر مكتب الصحافة الاستقصائية، الذي يتخذ من لندن مقراً له، تقريراً مؤخراً ذهب فيه إلى أن هجمات الطائرات بدون طيار، التي شنتها الولايات المتحدة على باكستان، أسفرت عن مقتل العشرات من رجال الإنقاذ والمشيعين المدنيين، تجاهلت وسائل الإعلام الأميركية ذلك. وعلى نحو مماثل، في الوقت الذي تخوض فيه البلدان الأخرى نقاشات حامية حول برنامج أميركا السري للاغتيال المستهدف، لم يحدث أن تم النظر في شرعيته من قبل محكمة أميركية، ونادراً ما تتم مناقشته من قبل الكونغرس، الذي تخلى عن سلطته الاستثنائية على برنامج الطائرات الموجهة عن بعد، للرئيس الأميركي ولوكالة الاستخبارات المركزية. وذلك الصمت قد يعود ليطارد الولايات المتحدة.
وتستحق نتائج مكتب الصحافة الاستقصائية أن يتم إلقاء نظرة عليها، وذلك ليس لأنها تشكل تأكيداً صارماً للوقائع الجارية في المناطق القبلية في باكستان، حيث يصعب الحصول على معلومات مؤكدة، وإنما بسبب التساؤلات التي تثيرها في ما يخص برنامج الطائرات الموجهة عن بعد.

وقد قدم التحقيق، الذي استغرق ثلاثة أشهر، أدلة على أن ما لا يقل عن 50 مدنياً، قتلوا فيما كانوا يحاولون إنقاذ الجرحى الذين أصيبوا في هجوم طائرة موجهة عن بعد، ليقتلوا بعد ذلك بجولة أخرى من الصواريخ. وإذا كان ذلك صحيحاً، فهو تكتيك تمت استعارته في ما يبدو، من كتاب قواعد المتشددين، الذين يعرف عنهم تفجير القنابل في الأماكن المزدحمة، وانتظار وصول رجال الإنقاذ، ومن ثم تفجير المزيد من القنابل من أجل حصد أكبر عدد من الأرواح.
ويجب النظر إلى روايات الشهود العيان في مناطق كالمناطق القبلية، بقدر كبير من التشكيك، إذ يشكل تضخيم الفظائع الأميركية استراتيجية تجنيد معروفة بالنسبة للجماعات المتشددة. ولكن الادعاءات بشأن وقوع هجمات ثانوية، تكررت إلى حد كبير، بحيث أصبحت تحتم مزيداً من التحقيق.

ومن جهة أخرى، وصف جوبي واريك، مراسل صحيفة "واشنطن بوست"، في كتابه الأخير "العميل الثلاثي"، هجوماً تم تنفيذه بواسطة طائرات موجهة عن بعد عام 2009، أثناء مراسم تشييع ناشط في حركة طالبان، وكان يستهدف أحد كبار زعماء الحركة. وتمكن الزعيم من الهرب، ولكن العشرات من المدنيين، ومنهم أطفال، قتلوا في الغارة. هل تعد الجنازات أهدافاً مناسبة، حتى عندما تشكل فرصة لجذب المتشددين الخطرين من مخابئهم؟ هذه هي نوعية الأسئلة التي نود أن نسمعها تطرح بشكل متكرر، من جانب الكونغرس والمحاكم الأميركية.

ويعتبر برنامج الطائرات الموجهة عن بعد، في غاية السرية إلى درجة أنه لم يتم الاعتراف بوجوده رسمياً سوى منذ مدة بسيطة، إذ عبّر الرئيس الأميركي باراك أوباما عن ذلك في ظهور له على شبكة الإنترنت، أكد فيه أن هجمات الطائرات الموجهة عن بعد "لم تسفر عن عدد كبير من الإصابات في صفوف المدنيين".

ولا تعد مثل هذه التأكيدات كافية، حتى عندما تصدر عن الرئيس الأميركي. وقد طورت دول أخرى تكنولوجيا الطائرات الموجهة عن بعد، وإذا قررت أن تحذو حذو الولايات المتحدة، فإنها قد تبدأ استهداف أعدائها عبر أية حدود تحلو لها، بما في ذلك الحدود الأميركية.
لقد حان الوقت لتقوم المحاكم الأميركية والأمم المتحدة، بدراسة المسائل القانونية التي ينطوي عليها الاغتيال المتعمد، وفرض قواعد تأخذ التطورات في مجال التكنولوجيا بعين الاعتبار.   

السابق
الشاباك يحاول إغراق القطاع بالمخدرات بحثاً عن عملاء له
التالي
محاكمة نواب!!