عن شباب اختفوا من 14 آذار

اختفت وجوه شبابية عديدة من 14 آذار. شباب نشط وحرك وناضل عام 2005، وإذ به اليوم يعتكف ويراقب. خيبات تلو أخرى وسوء تنظيم وإدارة متواصل. لا مكان للشباب في ثورة الأرز. القيادة تخطئ، فتؤكد العودة إليهم في بحث متواصل عن «الجذور»

أين القيادات الشبابية لـ14 آذار 2005؟ معظمها لم يُلمح في البيال أمس. تجلس معظم هذه القيادات اليوم في منازلها، تراقب عن بعد ما يحصل داخل 14 آذار وعلى الساحة السياسية. هي وجوه حرّكت الجامعات والطلاب ونظّمت سير الأمور في ساحة الشهداء قبل 7 أعوام. الوجوه باتت بعيدة عن المشهد، ولو أنها ناشطة «فايسبوكياً» وفي النقاشات الضيّقة.

منها من اعتكف عن حضور الذكرى السابعة لاغتيال رفيق الحريري، ومنها من تراجع قبل مدة نتيجة «الخيبات المتتالية». لا نعني بهذه الخيبات 7 أيار أو خروج 14 آذار من السلطة حصراً، إنما تمتدّ على ما هو في صلب علاقة الشباب بقيادتهم ومراكز القرار السياسي.. أم باتت لكل من هؤلاء الشباب اهتمامات ومسؤوليات جديدة؟
من المؤكد أن المشكلة ليست في كون أن «العيال كِبرِت» وباتت لها التزامات تجاه نفسها وعائلاتها، بل المشكلة في 14 آذار نفسه. في عناوينه ومشروعه وأسلوب عمله ومنطق تفكيره.
بعض من شباب 2005 الذين حضروا المهرجان أمس يعترفون بأنه «حضور بروتوكولي، واجب». وهذا الواجب ما كان ليلبّى لولا أنّ «سوريا» حاضرة في الكلمات والوجهة السياسية. لكن من يصرّ على الاعتكاف ينظر إلى المسألة من منظار آخر: حتى لو حضر الملف السوري، من يضمن أنّ القيادة لن تخطئ في معالجته كما فعلت في معظم الملفات الأخرى؟
غابت أمس الوجوه الثلاثينية أو المشارفة على الثلاثين، وحلّت مكانها أخرى عشرينية. لا يعني ذلك أنّ ثمة تجدداً في حركة 14 آذار، بل أنّ البعض قرر إخلاء مواقعه. ثمة ملاحظات على كل شيء في 14 آذار 2012. في الشكل، يوجد تشكيك في الشعارات المستجدة حول انتفاضة الاستقلال والربيع العربي. يرى بعض المعتكفين أنّ في ذلك «استقواءً بعضلات الغير» وتبجّحاً بالريادة اللبنانية. في المضمون، مشاركة المجلس الوطني السوري في ذكرى اغتيال الحريري برّدت الأجواء قليلاً. لكن التساؤلات مستمرة: «لماذا لم يحضر ممثل عن المجلس؟» إذا كان السبب «لدواع أمنية»، فذلك يعني «أننا عاجزون وخائفون ولن نجرؤ على أي خطوة أكبر من هذه». وإذا كان «الأمن» بدعة وجدها البعض، فذلك يعني أنّ قيادة 14 آذار لا تزال تنتظر الموقف الغربي من المجلس وتنتظر نيله الشرعية من هناك. وبذلك «هي تربط نفسها بالمشاريع الدولية وأنّ تطوّرها مرهون بهذه الأجندات». أما أحد القياديين الفاعلين في تيار المستقبل فيقول انّ العلاقة بالمجلس الوطني تتّجه إلى المزيد من الزخم، واضعاً مهلة «الأسبوع الأخير من شباط» ليتم ذلك.
يقول أحد المعتكفين أنّ جزءاً من قيادة 14 آذار عرقل التمثيل الفعلي للمجلس في احتفال أمس، لأهداف شخصية. يعني ذلك أنّ هذا الجزء فرض على المعارضين السوريين قراراً. يضيف: «تماماً كما تفرض القيادة الأشياء على جمهورها».
قبل عام، في شباط 2011، قال الرئيس سعد الحريري انه حان موعد «العودة إلى الجذور»، إلى الناس. وإذ به في شباط 2012، يكرّر الأمر نفسه، معلناً تحمّله المسؤولية عن الأخطاء التي ارتكبت. يعني ذلك أنّ عاماً من «العودة إلى الجذور» لم يصلح شيئاً وأنّ الأخطاء مستمرة وتتراكم.
كلام الرئيس الحريري لم يعد يقنع الجميع. ومن عايش ثورة الأرز عن قرب في ساحة الشهداء، يندفع اليوم إلى الحركة بعيداً عن التنظيم والإعلام والمناصب والاجتماعات المملة، فيتّجه معظم المعتكفين إلى الأماكن «الصعبة» ويناضلون بما يرونه مناسباً: في تقديم المساعدات الطبية للاجئين السوريين، في متابعة أخبار التنسيقيات السورية، في دعم الحراك السوري إلكترونياً.
شعار شباط 2012 كتبه الشهيد سمير قصير: «ربيع العرب حين يزهر في بيروت إنما يعلن أوان الورد في دمشق»، لكن من المعتكفين من يحذّر من «نحمد القدر أن مصير الثورات تلك لم يكن مثل مصير حركة 14 آذار». 

السابق
انكسار القلب.. يقتل !
التالي
لقاءً حول مناهضة التعذيب في السجون اللبنانية