الوجه الآخر للربيع

للربيع العربي وجوهه الجميلة والانسانية، وله ايضا وجهه القبيح. أقبح ما في هذا الربيع وجهه الآخر ان الجمهوريات هي الانظمة الملعونة والبشعة والمستهدفة بعدما حولها قادتها اقطاعات عائلية وتوتاليتاريات امنية تتفنن في قمع شعوبها وتصحير مجتمعاتها. اما الممالك والإمارات والمشيخات التي لا تعرف معنى الانتخابات او الاقتراع او ابداء الرأي، فتحولت اصلاحيات للتقدميين والتغييريين وصارت تعطي الجمهوريين دروسا في الديموقراطية وتحاضر في العدالة والمساواة وحق الشعوب في صنع القرار والمشاركة في السلطة.

الربيع العربي نفسه الذي اطاح حسني مبارك عن كرسي السلطة الذي التصق بجسده 29 سنة، واقتلع القذافي عن عرش ملك ملوك افريقيا وعمادة الزعماء العرب، ورحّل بن علي وعلي صالح تحت شعار التغيير ورسم المستقبل، هو نفسه الذي يشق اليوم الطريق للسلفيين لمصادرة المستقبل باستعادة الماضي السحيق ووقف عجلة التاريخ. حتى ايمن الظواهري وجد لنفسه فيه موقعا شرعيا ليحاسب ويهدد ويتوعد… وينصح!

الوطنيون والتقدميون والاصلاحيون الذين ناضلوا من اجل التغيير صاروا هم الماضي وصار الرجعيون والمحافظون والمبشرون بالعودة الى الخلافة والدولة الدينية هم المستقبل، فانقلب الربيع على من بشر به ودعا اليه.
لا شك في انه لو لم يوفر اصحاب السيادة والفخامة "الرؤساء الجمهوريون" الفرصة بفشلهم التاريخي وغيّهم الدموي ضد معارضيهم وشعوبهم، لما اتيح لأصحاب الجلالة والسمو فرصة ركوب حصان الربيع العربي والتسلل الى موقع القيادة ووضع اليد على الجامعة لادارة شؤون الامة وتوجيهها نحو "التغيير"! فأي تغيير سيأتي على أيدي هؤلاء الذين اطلقوا على دولهم أسماءهم وجعلوا بلدانهم محطات بنزين كبرى؟

حتى هذه اللحظة يبدو الربيع العربي في بعض وجوهه شكلا من اشكال الانتقام من مرحلة الخمسينات والستينات حين انقلب الجمهوريون آنذاك على الانظمة الملكية والفكر القديم بذريعة بعث العروبة واطلاق الافكار المعاصرة والتحديت والتطوير وتخليص الشعوب من الانظمة البائدة، قبل ان تعيد هذه الجمهوريات الانقلاب على نفسها وعلى مبادئها وشعاراتها المعلنة وتتحول توتاليتاريات تمارس كل انواع الاستبداد وتصير "جمهوريات ملكية" تورث للابناء. وهكذا، عوض ان تمهد الثورات الشعبية التي اطاحت الانظمة الجمهورية الامنية الطريق لتصحيح اخطاء "الجمهوريين" والاعداد لبناء الدولة العصرية الديموقراطية، شرعت الابواب لعودة القديم بكل اشكاله وتجلياته. فلا عجب ان ترتفع من جديد بيارق الملكيات البائدة وان تتصدر الملكيات القائمة واجهة المشهد السياسي وان تطغي العقائد السلفية على ما عداها.
كل الامل ألا تطول هذه المرحلة وان يعود الربيع الى ربيعه.  

السابق
وردة حمرا او خروف… كل يعشق على ليلاه في مرجعيون ؟!
التالي
الجسر: المحكمة خارج الحوار لانها اقرت سابقا