اللواء: الذكرى السابعة لإستشهاد الأب المؤسس: اللُحمة الوطنية تتجدّد والدولة الغائب الأكبر

بين 14 شباط 2005 و14 شباط 2012 انتصرت قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولاحت في أفق لبنان بوادر تسوية تاريخية، لكنها كانت تتعرض على الدوام لمد وجزر.
فالبارحة تشبه اليوم ولا تشبهه، وامس الوصاية أضحى غد الاستقلال. واذا انتفاضة الاستقلال اللبناني بشعاراتها التاريخية: السيادة والحرية والاستقلال، تمتد على ارض العرب من المشرق الى المغرب، لتلاقي التجربة اللبنانية، يحدوها الامل بمستقبل جديد اطلق عليه "الربيع العربي".
انتصرت قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وانتصر نهجه، وشكلت المناسبة فرصة للقاء سيصبح تقليداً من هذا العام، لان شعلة الحرية ستمتد الى سوريا، وان زمناً جديداً ينبلج على البلدين.. هكذا كانت رسالة المجلس الوطني، وهكذا كانت النظرة اللبنانية للحدث الممتد من بيروت وطرابلس الى حمص وادلب ودير الزور ودمشق وحماه وحلب.
في المشهد هذا، اطل الرئيس سعد الحريري بصفته كنجل للرئيس الشهيد وكرئيس لتيار المستقبل، وكقطب من كبار اقطاب ثورة الارز يقارب الوضع من زاوية مسؤولة، وبترفع كبير عن الجراح، ليطلق مواقف من قضايا افرزتها جريمة الاغتيال، وتلازمت معها تداعيات الربيع العربي، لا سيما في سوريا، وجاءت هذه المواقف كأنها مراجعة متجددة في عقل يعتبر المراجعة اساساً لمواكبة سيرورة الاحداث وتعبيراتها على ارض الواقع
:
1- دعا الرئيس الحريري الى قيادة حزب الله "الى اجراء مقاربة جديدة لتعاملها مع المحكمة الدولية"، لاعتبارات منها ان "اصرار الحزب على رفض تسليم المتهمين امر من شأنه تعميم الاتهام في اغتيال الرئيس الشهيد"، فلا يجوز لقيادة الحزب ان تحول المحاكمة المرتقبة الى "مضبطة اتهام اخلاقية وسياسية ووطنية".
2- قال الرئيس الحريري – وداعياً الحكومة اللبنانية والجهات الرسمية المعنية للتعاون والتنسيق مع المحكمة الدولية – "ان محاولات التهرب من مجريات العدالة لن تجدي نفعاً فمسار العدالة سلك طريقاً لا عودة عنه".
3- في مسألة السلاح، اعلن الرئيس الحريري انه يكرر الدعوة الى حزب الله لان يبدأ تنظيم وضع سلاحه في تصرف الدولة ليجنب لبنان خطر العنف، ويجنب الدولة خطر الانهيار، معيداً التأكيد ان "وجهتنا هي الدولة التي عليها ان تملك حصرية السلاح وحصرية الحفاظ على الامن الفردي والوطني وسن القوانين"، اما ان يكون السلاح بذريعة مواجهة اسرائيل سلاحاً لقتال انفسنا والقضاء على دولتنا فهذه خدمة لإسرائيل، ولا احد سوى اسرائيل".
واستعاد الحريري مخاطر فوضي انتشار السلاح الفلسطيني في السبعينات وفوضى قيام الميليشيات ومسلسل الحروب الطويلة بين الاخوة وابناء الفريق الواحد، والقوات السورية كشريك مضارب للجيش اللبناني اسهم في الفوضى، متخوفاً من ان يكون انتشار السلاح اليوم نسخة متجددة للتجارب السابقة "فالسلاح هو مصدر دائم للفتن والصراعات الاهلية، والطوائف اللبنانية ليست ملكيات سياسية لهذا الحزب او ذاك".
4- من زاوية دعمه لمعركة الشعب السوري، اعلن:
أ- ايدينا ممدودة للمجلس الوطني للتعاون ولبنان نظام ديمقراطي جديد يساعد على تدعيم استقلال لبنان.
ب- تطمين المسيحيين بأن "تيار الاعتدال والعيش الواحد والمشاركة والتعددية، فنحن اهل الطائف والمناصفة التامة بين المسيحيين والمسلمين، ومهما كانت سوريا تبقى تيّار السيادة والاستقلال والديمقراطية، ودفعنا الثمن دماء من أجل لبنان أولاً.
جـ – وطمأن الشيعة: "نحن لا نحمّل اخوتنا الشيعة في لبنان أية مسؤولية في دماء رفيق الحريري ونعتبر أن دماءه هي دماؤهم، والعدالة ليست للثأر، والسلاح لا هوية طائفية أو مذهبية له، ومصير لبنان نضعه بالاتفاق لا بالمجابهة، وبالحوار لا بالفتنة.
5 – قادت مناقبية الرئيس الحريري إلى إعلان تحمله المسؤولية عن المرحلة السابقة بحلوها ومرها، ومسؤولية التنازل في مكان ورفض التنازل في مكان آخر، والمهم التزامه بتحمل المسؤولية في المستقبل في التضامن مع الشعب السوري ومنع الفتنة بين اللبنانيين وبين السنّة والشيعة.
مناسبة وطنية
من هذه المواقف التي تشكّل برنامجاً لمبادرات سياسية، وغيرها من مواقف الخطباء الآخرين، لا سيما من قبل الرئيس أمين الجميل، ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، تحوّلت الذكرى السابعة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري إلى مناسبة وطنية بامتياز، فيما بدا مهرجان "البيال" الذي حشد جمهوراً غفيراً من مناصري "ثورة الأرز" كأنه محطة مفصلية سواء بالنسبة لقوى 14 آذار عامة، وتيار "المستقبل" بشكل خاص، من خلال التوجهات السياسية، وخاصة خطاب الرئيس سعد الحريري الذي أبقى ابواب الحوار مشرعة أمام مصالحة وطنية شاملة.
ووصف رئيس حكومة سابق خطاب الحريري بأنه "مشروع سياسي وطني يتيح إعادة وصل ما انقطع بين اللبنانيين، انطلاقاً من التمسك بالثوابت الوطنية التي كرسها اتفاق الطائف، ويطوي صفحة الشكوك المتبادلة، والتي أدّت إلى ضرب العلاقة بين "تيار المستقبل" و"حزب الله".
وأشاد المرجع الحكومي السابق بجرأة الرئيس الحريري من خلال إعلانه تحمل مسؤولية المرحلة السابقة "بحلوها ومرها"، وخاصة بالنسبة لتقديم التنازلات في بعض الملفات، وما شاب أداء حكومته السابقة من أخطاء وإرباكات. وتوقع ان يثير الخطاب ردود فعل إيجابية في الأجواء السياسية الداخلية، في حال صفت النيّات وخلصت إرادة الوفاق والاتفاق، خاصة عند "حزب الله". وفيما بدا الرئيس الجميل أقل عنفاً (مزاوجاً بين وثيقتي حزب الكتائب والأزهر الشريف) داعياً إلى إعادة تشكيل الأكثرية النيابية، منوهاً بالثورات العربية، مستحضراً موضوع المحكمة الدولية التي "لا قوة ستوقف مسارها، مشدداً على ضرورة تحصين الساحة الداخلية والعمل على بناء الدولة" لأن لا مصلحة للبنان أن يتورط بأي اقتتال داخلي، كان جعجع اكثر تشددا في الخطاب والموقف، إذ تحدث عن "الرؤوس والانظمة التي أينع قطافها" حاملا بشدة علىما اسماه "المقاومة والممانعة"، والتي اعتبر انها "مقاومة في مواجهة الشعوب وفي مواجهة التغيير وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة، وفي دولة فعلية" مهاجما سلاح حزب الله ومحذرا من استمرار "القمصان السود"، داعيا الحزب الى عدم اقصاء نفسه عن بقية اللبنانيين، مشددا على ان لا "مستقبل لاي سلاح غير شرعي".
وحمل جعجع بعنف على الحكومة التي وصفها "بالبائسة" كما اداؤها وفضائح بعض وزرائها، وبأنها مسخ تشبه اي شيء الا سلطة تنفيذية حقيقية، معتبرا انها حكومة الموت السريري التي تتلاعب بزمن ومستقبل لبنان، داعيا اياها إلى الرحيل وفقط الرحيل.
ولم ينس جعجع تأييد الربيع السوري، والذي كان عنوانه، داعيا دول العالم اجمع إلى بذل الجهود لوقف حمام الدم وترك الشعب السوري يقرر مصيره بنفسه.
وحفلت الذكرى السابعة ايضا برسالة تضامن من المجلس الوطني السوري تلاه منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار، اكدت ان "الثورة السورية ليست بحاجة إلى ساحات لبنان لاستخدامها، رافضة ربط لبنان بمسار ازمة نظام بشار الاسد، معلنة سعي المجلس في المرحلة المقبلة إلى اقامة علاقات ندية مع لبنان، علاقة من دولة إلى دولة على قاعدة حاضر ومستقبل مشترك، كما اعلنت عزمه على الغاء المجلس الاعلى اللبناني – السوري ورسم الحدود ابتداء من مزارع شبعا وتحرير المعتقلين.
وعدا عن المواقف، فقد تميز احتفال "البيال" إلى جانب غياب الرئيس الحريري لاسباب مرضية، بمشاركة وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة امين السر العام ظافر ناصر للمرة الاولى، بعد ان غاب عنه في السنتين الماضيتين، تزامن بفتح الخط الهاتفي بين وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل والنائب وليد جنبلاط الذي اوفد ايضا نجليه تيمور واصلان على رأس وفد لزيارة ضريح الرئيس الشهيد في وسط بيروت.
ردود فعل الاكثرية
اما في ردود الفعل، فقد تجنبت الاكثرية الحاكمة الادلاء بأي موقف، باستثناء تعليق عابر من رئيس تكتل الاصلاح والتغيير النائب ميشال عون قال فيه: "ان الشعب اعتبر الرئيس رفيق الحريري شهيداً، لكن العائلة لم تعتبره شهيد الوطن بل استخدمته في الانتخابات واستعمل ضدنا بالانتخابات وهذا خروج على الديموقراطية والمنطق"، فيما ينتظر أن يكون للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله غداً مواقف قد تطال الرد على الرئيس الحريري، إذ أن قيادة الحزب عكفت على تقييم الخطاب واحتمالات الرد عليه أو تجنّب ذلك، من دون أن يتضح الموقف النهائي، خصوصاً وأن الوضع الحكومي الملحّ قد يستأثر بحيّز كبير من كلمة نصر الله، خصوصاً في ضوء ما نقل عن الرئيس نبيه بري من انزعاج من الوضع الذي بلغته الحكومة، وضيقه من مطالبة عون بالحصة المسيحية والتي يرى أنها تستهدف أيضاً مشاركته بحصة المسلمين في التعيينات.
تجدر الإشارة إلى أنه في نهاية الأسبوع يكون قد مضى على تعليق جلسات الحكومة أسبوعان، من دون أن تظهر حتى الآن أية بوادر حلحلة، أو معالجة جدية، باستثناء أن الرئيس نجيب ميقاتي لن يقدم على الاستقالة، وأن الفريق العوني لن يدفعه إلى الاستقالة، لكنه لن يسهّل له مهمته قبل توضيح مسألة بروتوكول المحكمة.
وكان عون قد كشف عن رغبته بوضع نظام داخلي لمجلس الوزراء، على غرار المطالبة السابقة من قبل الرئيس بري الذي سيرأس اليوم في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس للتداول في شأن بنود جدول أعمال الجلسة التشريعية التي دعا إليها قبل ظهر الأربعاء المقبل، وسيلي ذلك لقاء الأربعاء الأسبوعي مع النواب.
وكشف عون أن لجنة من التكتل ستصيغ مشروع القانون الخاص بنظام مجلس الوزراء، والذي سبق أن رفضه الرئيس الشهيد. 

السابق
الحريري: أدعو حزب الله إلى إجراء مقاربة لتعامله مع المحكمة، وإصراره على رفض تسليم المتهمين لا يجوز
التالي
الشرق: عن الحريري مشروعنا هو الدولة