رهانات واهمة

ما يجري في منطقة الشمال في هذه المرحلة يجب التوقف عنده باهتمام كبير، أكان على صعيد الاشتباكات التي حصلت بين منطقتي التبانة وجبل محسن أو بالنسبة لعمليات التهريب بكل أنواعها من السلاح والرجال والمال عبر وادي خالد مع وجود مجموعات مسلحة في بعض هذه المناطق تحمل جنسيات سورية.
وتعتبر مصادر سياسية أن خطورة وأهمية ما يجري في الشمال تتعلقان إلى حد كبير في رسم مستقبل الوضع الأمني، على الأقل في لبنان، ومدى قدرة المسؤولين على مواجهة الواقع المستجد منذ اندلاع الأحداث في سورية خصوصاً محاولات بعض الجهات السياسية والدينية إقامة ما يسمى بـ"الإمارات" أو دويلات داخل الدولة تحت شعارات زائفة وواهية.
وتضيف المصادر السياسية، أن كل ما يجري في الشمال، خصوصاً بعد دخول الجيش اللبناني إلى بعض مناطق عكار ووادي خالد، هو بهدف التصدي ومكافحة عمليات تهريب السلاح والرجال إلى سورية. افتعلت بعض القوى السياسية في طرابلس وتحديداً تيار "المستقبل" الاشتباكات ضد جبل محسن من خلفيات طائفية ومذهبية في الدرجة الأولى وسياسية في الدرجة الثانية والأخطر أنها جاءت في توقيت إرسال الجيش اللبناني إلى المناطق الحدودية الشمالية في محاولة إلهائه عن المهمة الوطنية الأساسية التي تحمي لبنان قبل أن تحمي سورية.

وترى المصادر السياسية أن كل هذه التطورات ترافقت مع كلام خطير وغير مسؤول للنائب معين المرعبي في محاولته التحريض على الجيش اللبناني يُشتّم منها، وحسب المصادر السياسية وكأنها دعوة لانقسام الجيش وتحديداً لطائفة معينة، متناسياً أن المؤسسة العسكرية بقيادتها وضباطها وأفرادها تلقوا تربية وطنية بامتياز تجاوزت مثل كل هذه الدعوات المشبوهة، وأنه يتوجب على المؤسسة العسكرية أن تحيل تصريحات ومواقف النائب المذكور إلى القضاء العسكري لمحاسبته في إطار الأصول القانونية، كما أن مجلس النواب يتحمل مسؤولية مماثلة، لأن من يتمعن في مضمون تصريحات النائب "الكريم" لا يمكن إلا أن يجد فيها دعوة للتحريض والانقسام داخل المؤسسة العسكرية وهذا الأمر مرفوض من شريحة كبيرة من اللبنانيين الذين يدعمون المؤسسة العسكرية بكل توجهاتها الهادفة إلى حماية اللبنانيين في جميع المناطق ومن دون أي تمييز باعتبارها خشبة الخلاص للبنان.
 وأشارت المصادر السياسية إلى أهمية موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من تأمين الغطاء السياسي وإعطاء الضوء الأخضر للمؤسسة العسكرية في التصدي وبحزم لكل من يحاول تخريب وزعزعة الأمن والاستقرار على الساحة اللبنانية. ومن هذه الزاوية وعلى هذا الأساس والغطاء الذي وفره الرئيس سليمان بادرت المؤسسة العسكرية إلى حسم الوضع في منطقة الاشتباكات فسقط لها بعض الجرحى نتيجة التصدي للمخلين بالأمن في طرابلس وهي ستكمل خطواتها بهذا الاتجاه غير آبهة بمواقف بعض القوى السياسية التي تحاول باستمرار زج الجيش اللبناني بالأمور السياسية، مع أن مهمة هذا الجيش الوطني لم تكن يوماً مبنية على قاعدة سياسية لأنها في نهاية المطاف ملتزمة بما يصدر عن السلطة التنفيذية.

ومواقف الرئيس سليمان الداعمة إلى أبعد الحدود لمهمة الجيش اللبناني في الشمال وباقي المناطق لم يقابلها موقف مماثل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أجرى أكثر من اتصال مع قائد الجيش العماد جان قهوجي من أجل معالجة الوضع في التبانة وجبل محسن ولكنه لم يجر أي اتصال بالمؤسسة العسكرية ويؤم~ن الغطاء السياسي لها عندما قررت التوجه إلى عكار ووادي خالد لمواجهة تهريب السلاح والرجال إلى سورية.

هذه التطورات المستجدة في الشمال تستوجب أكثر من أي وقت مضى صدور قرار عن مجلس الوزراء بتكليف الجيش مسؤولية الأمن في منطقة الشمال كما هو الحال في محافظة البقاع لأن ما حصل بين التبانة وجبل محسن قد يتطور إلى مناطق أخرى خصوصاً وأن انفجار مستودع الأسلحة والذخيرة الذي وقع في منطقة أبي سمرا يشير بوضوح إلى حجم السلاح الموجود في الشمال وهو بالطبع لم يكن المستودع الوحيد، فهناك معلومات عن وجود مستودعات أخرى تخزن فيها الأسلحة من أجل تهريبها إلى سورية وإلا كيف يفسر مقتل مواطن سوري في مكان الانفجار.

وما صرّح به المسؤول السياسي في الحزب الديمقراطي العربي رفعت عيد عن أن مستودع الأسلحة والذخيرة تابع لـ"تيار المستقبل" وأن فرع المعلومات هو الذي حرّض على وقوع الاشتباكات، ينسجم تماماً مع كلام الوزير فيصل كرامي الذي أبدى عتباً كبيراً على بعض الأجهزة الأمنية وكان يعني ضمنياً فرع المعلومات، على عدم تداركها الأحداث التي حصلت بين جبل محسن والتبانة والتي على ما يبدو كانت من جهة واحدة وهي التي بادرت إلى افتعال الأحداث لأن الحزب الديمقراطي العربي منذ الأحداث التي وقعت في السابق سلّم أمره للجيش اللبناني باعتباره هو الجهة الصالحة لحماية الجميع.

هذه المعطيات المستجدة في الشمال تتطلب معالجة جذرية وجدية من الحكومة لأن المعالجة الآنية ستبقي الأمور ناراً تحت الرماد، وإذا تصاعدت وتيرة العنف في الشمال لا يمكن لأحد أن يضمن عدم انتقالها إلى مناطق لبنانية أخرى، ولذلك المطلوب من القوى السياسية، بالإضافة إلى المسؤولية المباشرة للحكومة، أن تعطي كل الدعم والتأييد المطلق للمؤسسة العسكرية وقائدها العماد جان قهوجي لأنها الملاذ الآمن لكل اللبنانيين وأي رهانات أخرى خصوصاً إذا كانت خارجية ستدخل لبنان في النفق المظلم مرة أخرى، وإذا كان البعض يتوهم أن تجربة بوسطة عين الرمانة قد تتكرر في لبنان فهو واهم، ويومها لو تم إنزال الجيش لمواجهة الانفلات الأمني لكان لبنان تجاوز الكثير من المطبات الأمنية، ولما طالت الحرب الأهلية ولما انقسم الجيش اللبناني مع فارق الظروف والمعطيات، فالجيش كتلة متماسكة لا يمكن أن يؤثر فيه تصريح من هنا أو موقف من هناك كما يحاول البعض التطاول على المؤسسة العسكرية عبر اتهامات باطلة ومفبركة وزائفة.  

السابق
مجلس القيادة.. توقف
التالي
باقٍ