الشيعة والسنة … إلى متى؟!

الركون للمتوارث من انطباعات تاريخية واجتماعية في علاقة الشرائح الاجتماعية في مجتمع ما مع بعضها البعض هو أمر محفوف بالمخاطر، لما للموروث من زخم قوي وطواعية عالية للاستخــدام السياسي والتوظيف المصلحي بما يدفع لتفجير المجـــتمع وتــــهديد الســــلم الأهلي بين أطرافه.
لا أدل على ذلك مما يحدث على الساحة من استقطاب سمج وخطير في الآن نفسه في ما يتعلق بعلاقة الشيعة والسنة في الكويت، والتي يبدو أن أي مقاربة لهذا الأمر ترتكز على شعارات رومانسية من مثل «كلنا إخوان»، و«ماكو فرق بين شيعي وسني»، واسترجاع تاريخ العلاقة التكافلية بين أبناء المذاهب المختلفة وتعاونهم لبناء الكويت، لا يعدو كل ذلك كونه محاولة عاطفية لا تفي بالغرض من أجل فك شفرة الخلاف والسعي لبناء علاقة صحية بين الطرفين تعتمد على مرتكزات الدولة الحديثة من مقومات حقوقية وقانونية وغيرها.

نعم هنالك خطوط ملتهبة في القراءة التاريخية والنظام العقائدي تفصل بين المذهبين، ومحاولة نفي هذه الحقيقة الساطعة لن يجدي نفعا بعد الآن، فالثورة المعلوماتية كفلت لنا فرصة الاطلاع وبدون مواربة على تفاصيل المكونات الدقيقة للتركيبة البنيوية لكل مذهب واتجاه عقائدي، وتَمَكّن كلا الطرفين من إقامة نماذج سياسية تستمد شرعيتها من إرثها العقائدي أو الفقهي ترك مساحة ضيقة لاستخدام أي تقية سياسية أو دينية، وتداخلت المصالح السياسية لدعم أو إسقاط أي جهد غير واقعي في الأساس لبناء ما يحب البعض أن يسميه «وحدة إسلامية» في ظل واقع حاد يُصور أي مقاربة مغايرة للتاريخ والفقه نفاقا واستسلاما للطرف المقابل، وهو ما خلق أعداء لكل اتجاه مذهبي من داخل أبنائه أصحاب الرؤى المختلفة، تمت محاربتهم بشراسة من أبناء المذهب نفسه ورميهم بأقذع الاتهامات كونهم يقدمون، حسب التيار السائد، الحجة للمذهب المخالف حسب قاعدة «وشهد شاهد من أهلها»! في ظل هذا كله، نعتقد أننا نحتاج وبشدة لمقاربة جديدة لأزمة العلاقة السنية الشيعية، وهي بالمناسبة أزمة ذات أبعاد داخلية وخارجية، ففي إقليم ملتهب تتنازعه قوتان رئيسيتان ينظر لكل منهما على أنها تمثل العمق الحقيقي والاستراتيجي لكل طائفة على حدة، وهو ما يتقاطع أيضا مع اعتبارات وتراث قوميين أو شوفينيين- لا يمكن تجاهلهما، وزد على ذلك ما يحدث في سوريا والبحرين وغيرهما، في هذا كله، يبدو اختزال الأزمة في الكويت في بعدها الداخلي ضربا من ضروب التبسيط المخل، لكن البعد الإقليمي، على الرغم من ذلك، لا يستطيع لوحده الانعكاس داخليا دون توافر الأرضية اللازمة للتصعيد في الواقع الكويتي نفسه، وهو ما نملك التعامل معه مباشرة.

إن أدوات التعامل مع واقعنا الطائفي تبدأ بالعمل على استكمال أركان دولة القانون وسيادته، ومراجعة السلطة لتكتيكاتها السياسية القائمة على تحالفات آنية مع هذه الفئة على حساب تلك، ففي ظل واقع يشعر فيه الفرد بالمساواة في الفرص والحقوق تتضاءل عنده الحاجة للانتماء للهويات الأصغر والإحساس بالمظلومية والقهر وهو ما يدفع الناس دفعا للاصطفافات طائفية كانت أم غيرها.
نعلم أن المشكلة عميقة، وليست ذات بعد واحد، لكننا نزعم أن الحل يبدأ بهذه المقاربة، مع ضرورة قصوى لمعالجة قانونية لخطاب الكراهية والتحريض، وهو ما كنا نتمنى أن يتكفل المجتمع بأدواته المعنوية في معالجته دون اللجوء لتشريعات من هذا النوع قد تمس مبادئ مهمة كحرية التعبير والبحث العلمي، وذلك لإدراكنا أن ظاهرة «الحمقى والصعاليك والمأجورين» ممن احترف الشحن الفئوي والتأليب المرضي هي ظاهرة لن تختفي في أي مجتمع… وفي أي زمن…!  

السابق
السفير: واشنطن تتسلل من القرار العربي… وموسكو تشترط وقف العنف
التالي
الراي: بلمار أبلغ ميقاتي أنه سيُصدر تحديثاً للقرار الاتهامي بجريمة الحريري