ويتني هيوست: ما سر وفاتها

نال الموت هذه المرّة من المغنية الأميركية ويتني هيوستن، ولم يُنجدها ملاكها الحارس، أو الـ«بودي غارد» الخاص بها كما في فيلمها مع كيفن كوستنر. في استضافة نادرة ومؤثرة، ظهرت هيوستن مع مقدمة البرامج الأشهر في أميركا بربارا وينفري، فأحسست أن هذا الشبح الأسمر، هذه الإطلالة البالغة النحافة، وهذه المغنية البادية الحزن، تُخفي غياباً وشيكاً. مقابلة نادرة وحديثة العهد، أجرتها وينفري مع هيوستن، وأدارتها بمهارة النساء اللواتي يحسسن بأوجاع بعضهن البعض، فكان خوضاً حميماً في حياة هيوستن التي عانت مرارات مع رجال حياتها، أفضت بها إلى التهميش والضرب. خوض آخر في أكثر حياة هيوستن مرارة، وتنقّلها ما بين الإدمان على المخدرات والاستشفاء منه في مصحّات التأهيل التي تعج بها أميركا.

رحلت ويتني هيوستن أول أمس (في الساعة 3:30 فجراً بتوقيت أميركا) عن 48 عاماً في أحد فنادق بيفرلي هيلز/ كاليفورنيا، وأخذت حنجرتها الكونية معها، هي التي أمتعت العالم بشدوٍ غريب المنبت، تحار لدى سماعه في مصدره ومكمنه: «I will always love you» «سأظل دائماً أحبك»، أغنيتها التي أحسب أن رعب الجمال هو سمتها الأساسية، غزت فيها القلوب والعقول كما لو انها نشيد لجوقة ملائكة ترفرف عالياً لكن وئيداً، حتى تصل بتلك التوليفات الصوتية إلى خارج مدار كوكبنا.
هل يصنع الحزن صوتاً جميلاً؟ أحسبه ـ الحزن ـ يُضيف إلى الصوت الجميل، تلك اللوعة التي ميّزت صوت هيوستن، وأسأل في سرّ قدرها الشقي، هي الفاتنة فتنة لا توصف (مغنية، ممثلة، منتجة أفلام، عارضة)، والحائزة 6 جوائز (غرامي) وجائزتي «إيمي» و 21 جائزة من جوائز الموسيقى الأميركية. في مجال التمثيل عرفنا لها «The preachers wife» و«Waiting to Exhale» لكن أشهر أفلامها وأكثرها تحقيقاً للإيرادات كان فيلم «The Body guard». مصادر ذلك الترجيع الصوتي، وتلك المدّات الغرائبية للجملة المغناة عند هيوستن، فيها شبهة ذلك الغناء الكنسي الذي يعتاده السود، يلونون في أدائه، يخرجونه من طقوسيته، ويتركون لكوامنهم السحيقة العذاب، ان تلعب بالجمل، تُرقّصها، وتجعل الأجساد تتلوى معها. كانت جميلة وذات صوت جميل، ثرية، ومشهورة، وأكثر دفئاً من ان تنتهي في فندق ما، غريبة وباردة.

استلهمت هيوستن غناء موسيقى السول من مغنين في عائلتها التي تنحدر من نيوجيرسي، من بينهم أمها سيسي هيوستن وقريبتاها ديون وارويك، والراحلة دي دي وارويك، بالاضافة إلى أمها الروحية أريتا فرانكلين، حتى غدت من أشهر المغنيات على مدى العصور كافة. كانت تطل على جماهيرها، حيوية مشرقة تعطيهم من صوتها أفضل ما فيه، لتعود وتحتجب سنوات، تعالج فيها أسرارها الحزينة التي رحلت معها. شعبيتها بلغت أوجها في الثمانينيات والتسعينيات حيث أغانيها دائما في الصدارة والمركز الأول. ملامح وجهها السمح اثناء غنائها، لا تتغير على غرار المغنين والمغنيات، فقط النظرة الهائمة، والفم المنفرج على ابتهالات يحسبها السامع أغاني. عن موتها قالت المتحدثة جيل فريتزو: «للأسف، فإن هذا صحيح»!!، بدورنا نجده موتاً مؤسفاً، من صحته، ومن أنه حمل معه أعمق الأصوات وأكثرها دفئاً.

ثمانية وأربعون عاماً، عمر قصير لحنجرة حسبناها دهرية ودائمة، ولن نسمع بعد ذلك البوح العالي من الفم الأكثر استدارة وفتنة، لن نسمع حباً حقيقياً ولا شكوى حقيقية. بإمكان سيلين ديون أن تنشد على غرار ويتني هيوستن، لكنها تقصر لا بد، عما يحمله نشيد هيوستن وحدها، من «طرب» أسود، ومزاج. في الفيلم الذي مثلته مع كيفن كوستنر، لم تبد عاشقة كما شاءت حيثيات قصة الفيلم، بل احتفظت عيناها بذينك الشرود والزوغان اللذين يطبعان عيني الواقع تحت جفلة جرعة زائدة.
حتى اللحظة، ما من تفاصيل عن موت ديفا النشيد الإلهي. تصريح فحسب لضابط شرطة: «لقد تعرف اليها أصدقاؤها وأفراد أسرتها الذين كانوا معها في الفندق». 

السابق
تظاهرة تأييد سورية أمام سفارة الصين
التالي
فايسبوك وطن يجمع الناشطين السوريين