ميقاتي يحتمي بالحريري ويحميه

ذهب الرئيس نجيب ميقاتي إلى لقاء «خصمه اللدود» الرئيس سعد الحريري في باريس، متمّماً «كامل واجباته». وثمة مَن يقول: ما مِن سياسي يحرص على مراعاة خصمه، كما يفعل ميقاتي!

مِن المفارقات أن "الفريق الوسطي" داخل الحكم والحكومة، الذي جاء بالإنقلاب الشهير قبل أكثر من عام، مستخدماً قوة "حزب الله"، يجد نفسه عارياً من كل قوة، وأن متراسه الوحيد هو فريق 14 آذار نفسه: ميقاتي يلتجئ إلى الحريري، ووليد جنبلاط عاد موضوعياً إلى صَفِّه القديم، ورئيس الجمهورية يواجه العماد ميشال عون مستنداً إلى بكركي… و14 آذار إلى حدٍّ ما.

لكن وضعية الرئيس ميقاتي فيها الكثير من الإثارة. فهو لم يَخُض معركة تُذكَر مع "تيار المستقبل" منذ أُبعد الحريري عن السراي. وعلى عكس ذلك، ما قام به ميقاتي في الحكومة يلائم التوجهات الأساسية لـ"المستقبل": فهو سهّل تمويل المحكمة الدولية والتمديد لها. ولم يستجب إلى الضغوط المطالبة بإزاحة كبار المسؤولين الأمنيين والقضائيين والإداريين المحسوبين على الحريري. ولم يسمح لفريق 8 آذار بأن يفرض مشاريعه، خصوصاً لجهة "السيطرة" على "مال الدولة".

وعلى رغم الحملة التي يشنّها فريق 14 آذار على ميقاتي، فإن بعض أقطاب هذا الفريق يقولون همساً: لو كنّا نحن في السراي، لما استطعنا أن نحقّق أكثر مما فعل. وربما كان وَقَع 7 أيار، 7 مرّات، لو كنا في السراي وخضنا المعارك ضد "حزب الله" دفاعاً عن المحكمة والأمنيين!

هذا نِصْفُ الصورة. وأما نِصْفُها الآخر فيُظهِر أن ميقاتي، عندما تزداد الضغوط عليه، يفتّش عن متراس يختبئ وراءه: ينظر إلى مدينته طرابلس فيجد أنها لم تغادر "تيار المستقبل"، ويستمع إلى أصداء أبناء طائفته عموماً فيجدهم خصوصاً عند "تيار المستقبل". وهو لا يريد أن ينهي إقامته الحالية في السراي، ومعها ينهي أحلام العودة إلى العمل السياسي في المدينة والطائفة. وما يجري في سوريا، وإستطراداً ما يدور اليوم في طرابلس والشمال السنّي، يزيده اقتناعاً بهذه الثابتة.

من الواضح أن الرئيس ميقاتي، إذا كان خصماً سياسياً لـ"المستقبل"، سيكون في موقع سياسي صعب بعد تبلور المرحلة المقبلة وتداعياتها السياسية والمذهبية. لذلك هو يحفظ مكاناً له من خلال الحدّ الأدنى من التطبيع. بل إن مِن مصلحته أن يتعرّض أحياناً لحملات 14 آذار، لأنها تقوّيه في مواجهة "الإخوة الأعداء" داخل الحكومة، وتزيد من صفته "الوسطيّة".

مَنَعَ ميقاتي فَتْحَ الملفات التي يريد منها عون التشهير بالرئيس فؤاد السنيورة و"المستقبل". وفيما كان يوضّب أمتعته للسفر إلى باريس، حيث يريد عيادة الحريري، قام بـ"اللازم" تجاه ذكرى الرئيس رفيق الحريري، فأصدر مذكرة تتعاطى معها كيوم إقفال وطني شامل، متحدّياً الرفض الذي عبّرت عنه 8 آذار. وهو يتعهّد في كل يوم، أمام المجتمع الدولي، إلتزام لبنان واجباته إزاء المجتمع الدولي، ولاسيما القرارين 1701 و1757. ولا يطمح فريق 14 آذار إلى المزيد، من حكومة إتّهمها في الأساس بأنها "حكومة اللون الواحد، حكومة "حزب الله".

لعبة "الغائب – الحاضر"…

لم يعُد الرئيس سعد الحريري إلى لبنان في 14 شباط، على الأقل للمشاركة حضورياً في إحياء ذكرى والده. وشاءت غرائب الأقدار أن يكون السبب حادث تزلّج في فرنسا. ولكن، في أي حال، يعتبر البعض أن الظروف الأمنيّة التي إستدعت غياب الحريري جسدياً لم تتبدّل. والدليل هو كمية المعلومات والشائعات التي تراكمت أخيراً عن إعتداءات تستهدف سياسيين وأمنيين من مستويات رفيعة. وفي هذا المعنى، يصبح الحضور الظرفي للحريري، لإحياء ذكرى والده في صالة مقفلة ومضبوطة أمنياً، مسألة تعتريها التحفّظات. وأما الحضور الكامل والدائم في "ساحة مفتوحة"، أي ساحة العمل السياسي في لبنان، فقد يكون مسألة أخرى.

والعودة المريحة أمنياً، هي تلك التي تكون مريحة سياسياً أيضاً. فهناك تلازم في المسارين الأمني والسياسي في لبنان، ولا جديد أمنياً قبل الجديد السياسي المنتظر بعد جلاء التداعيات السورية. عندئذٍ، ميقاتي يزيح والحريري يستريح!

وحتى ذلك الحين، يمارس ميقاتي دوره الوسطي بمختلف المعاني والأبعاد. ففي الوسط، يصبح المرء قوياً وضعيفاً في آن معاً. ويصبح "النأي بالنفس" خياراً وحيداً. وتنطبق على ميقاتي المقولة التي أُطلِقت يوماً على لبنان: "قوتُه في ضعفه"… أو ربما "ضعفُه في قوته". 
  

السابق
إنقاذ الديون لا إنقاذ الشعوب
التالي
نواف الموسوي: من حق تكتل التغيير والاصلاح الانتظار من شركائه في الحكومة الوقوف إلى جانبه