كي لا يضيع لبنان بين أرجل الكبار

إذا صحت المعلومات المتداولة عن أن «تيار المستقبل» يعيد قراءته للوضع اللبناني بشكل يغلق صفحة التوتر مع خصمه اللدود «حزب الله»، ليفتح صفحة جديدة قائمة على اساس الدعوة للحوار والانفتاح في ضيافة الطائف، اذا صحت هذه المعلومات التي أوردتها «السفير» في عددها الخميس الماضي، يكون لبنان قد وضع نفسه على سكة السلامة والاستقرار، وسط الغليان الذي تعيشه المنطقة والمفتوح على مختلف الاحتمالات.

فليس من باب الترف السياسي القول إن حالة اللااستقرار والارتباك والضياع التي يعيشها لبنان منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تتكئ بالدرجة الاولى الى غياب التفاهم وحضور الخلاف والتوتر بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» بما يمثلان من مكوّنات جماهيرية محسوبة على طائفتين رئيستين في لبنان، يشكل اتفاقهما ركيزة أساسية في استقرار لبنان. وعليه فإن عودة التفاهم بين التيار والحزب من خلال حوار جدي يقوم على طروحات منطقية، تخلع عن لبنان رداء القلق الذي يثقل عيش أبنائه ويرفع منسوب همومهم في كل المجالات.

لقد مرّت سنة ونيف على ما اصطلح تسميته «الربيع العربي»، وليس من باب المبالغة التكهن بأن حرارة الصيف الذي يلي هذا الربيع، قد تمتدّ سنوات طويلة، بحسب ما هو باد في بلدان هذا الربيع. وجميل أن يعي اللبنانيون أن ربط مصيرهم بمآل الثورات العربية لن يفيدهم بشيء، لأن رهان أي فريق منهم على المتغيرات الخارجية لم يؤد في السابق الى نتيجة، ولن يؤدي في المستــقبل. فقد ثبت في كل المراحل أن الثقافة الإلغائية في لبنان غير ناجحة. فلا أحد استطاع أن يلغي الآخر، ولن يستطيع في المستقبل، اياً كان مآل الربيع العربي، سقطت أنظمة أم لم تسقط، تهاوت دول او صمدت، انهارت عروش ام تماسكت. فلبنان بنظامه الطوائفي العاصي على التغــيير (للأسف الشــديد)، أقوى من كل الأعاصير الخارجية التي لم تسقط ريشة من أجنحته. بناء عليه، ليس امام «الشــعوب اللبنانية» المتناحرة إلا الرضوخ لمعادلة التعايش السلمي والمساكنة القسرية ما دامت حروبهم تنتهي دائماً بلا غالب ولا مغلوب. ومن هنا فإن النكد السياسي القائم لا طعم له ولا لون ولا رائحة.
واذا كان «تيار المستقبل» جاداً في مراجعة مواقفه، يكون التعقل قد غلب التطرف والذهاب الى أماكن ضررها أكبر من فائدتها. وفي المقابل ليس سراً ان «حزب الله» المتعب بالمناكفة السياسية، يفتح ذراعيه لهذه المراجعة، إن صحت كواليسها، باعتبار ان اشاراتها لم تظهر بعد في ادبيات «تيار المستقبل». صحيح ان نقاط الخلاف قائمة بين الطرفين، لكن نقاط التلاقي ليست قليلة إذا ما تفادى الطرفان رياح الربيع العربي وحاولا بالتشارك مع المكونات اللبنانية الأخرى، رسم خريطة طريق للبنان الغد تحول دون انهيار البلد وسقوط الهيكل على رؤوس الجميع.

ليس ما تقدم مجرد موعظة حسنة في خطبة الجمعة او قداس الأحد. فقد لا يكون من باب المغامرة القول إن عالماً جديداً بدأ يرتسم بعد أكثر من عقدين على سقوط الاتحاد السوفياتي، وأغلب الظن أن العالم على ابواب حرب باردة جديدة، وعلى لبنان ان يتحسّب لما هو آت، حتى لا يضيع بين أرجل الكبار. ومن المفيد أن يبدأ «عباقرته» بالتخطيط للغد، قبل أن يندموا ساعة لا ينفع الندم.  

السابق
فضيحة !!
التالي
رفيق الحريري لم نقرأ رؤيويته