النهار: باريس حرصت على عدم إحراج ميقاتي سورياً

على رغم ان رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي يرفض اسباغ طابع شخصي على نجاح زيارته لفرنسا، يمكن القول انه تمكن من اقناع السلطات الفرنسية بموقفه الرافض اية "مغامرة او مقامرة" بمستقبل لبنان. وقد قال الرئيس ميقاتي في هذا الصدد ان المسؤولين الفرنسيين تفهموا موقعه الوسطي، وهو يريد ابعاد نجاحها عن أمرين: الاول "انها ليست هدية لنجيب ميقاتي لانه مول المحكمة"، وهو يرفض شخصنة هذه العلاقة بين بلدين يربطهما تاريخ من العلاقات الوطيدة، والثاني لا يريد ان يستخدم ميقاتي او الحكومة اللبنانية ضد سوريا". وبشكل آخر لا يريد ان يزيد نجاح هذه الزيارة المخاوف الداخلية التي كان عبر عنها بعض اطراف الحكومة.
وفي هذا السياق تجاوبت باريس مع ميقاتي في معظم الأمور التي طرحت خلال محادثاته مع الرئيس ساركوزي ورئيس الوزراء فرنسوا فيون ووزير الخارجية آلان جوبيه. حتى ان تصريحات الاوساط الديبلوماسية والرئاسية التي تعلق عادة على الزيارات الرسمية كانت معتدلة، ولا تريد ازعاج رئيس الوزراء اللبناني. وتمكن من هذا المنطلق من فتح صفحة جديدة من التعاون بين البلدين وبشكل اوسع وعلى اسس واضحة وسليمة للمرحلة المقبلة. وكل ذلك مبني على صدقية "مستردة" بعد انقطاع دام حوالى السنة تقريباً.

ويقول ميقاتي في هذا الصدد متكلماً عن الدعم الذي حصل عليه من السلطات الفرنسية "خلال مباحثاتي مع رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون كان الرئيس نيكولا ساركوزي قد وضعه في اجواء اجتماعنا"، الاجتماع كان حصل في الاليزيه قبل دقائق. وهذا معناه ان هناك متابعة فرنسية حقيقية لإزالة العقبات التي يمكن ان تشوب العلاقات. ويمكن ترداد ما قاله احد الديبلوماسيين الذين تابعوا الزيارة "ان صفحة جديدة فتحت بين البلدين، صفحة من التعاون الصادق والتقارب مع الرئيس ميقاتي"، وقد ابدت السلطات الفرنسية تفهماً واستعداداً للتعاون معه وستقوم بمساعدته سياسيا من اجل تفهم عربي لموقف حكومته. وكان ميقاتي قد توقع قيام اتصالات بين لبنان والعرب "لتحديد موقف منسجم" مع الاعتبارات التي عبر عنها والتي تتحكم في سياسة لبنان. وأعرب عن يقين بان العرب "يقدرون موقف لبنان ويتفهمونه". فهل ستؤدي زيارة باريس الى فتح البوابة العربية وخصوصاً الخليجية أمام الرئيس ميقاتي؟
وتفهمت فرنسا موقف ميقاتي الذي دافع عنه في كل لقاءاته مع المسؤولين الفرنسيين في اطار زيارته لباريس. وهو يريد تحييد لبنان عن احداث المنطقة وخصوصاً ما يحدث عند الجارة سوريا وبناء مناعة لدى الشعب اللبناني لمنع استيراد الازمات الى لبنان، وتقوية مناعته الداخلية.
كما ان الاوساط الرسمية الفرنسية التي لديها موقف واضح من الازمة السورية رفضت وضع ميقاتي في موقف حرج مما يحدث في سوريا، وأوضح لبنان موقفه في هذا الصدد كما اختصره احد المقربين من الرئيس ميقاتي عندما قال "ان لبنان لا يمكن ان يشارك في قرار ضد سوريا، لكنه لا يستطيع سوى تنفيذ القرارات الدولية بحق سوريا". وبشكل آخر تسعى الحكومة كما اعلن ميقاتي الى توازن بين ثلاثة عناصر هي العلاقة مع سوريا بسبب الوضع الجيوسياسي وتبعاته على الوضع الداخلي، وعدم الخروج من ثيابه العربية اي المحافظة على علاقة لبنان العربية، وهو متمسك بهذه العلاقة ويحترم الرأي الآخر وأخيراً مراعاة وضع المجتمع اللبناني "غير المحصن" ولا بديل في هذا السياق عن سياسة الحياد الذي يشكل الخيار العقلاني الوحيد امام اي مسؤول لبناني.

فالمجتمع اللبناني منقسم على نفسه الى نصفين نصف يدعم السلطات السورية والقسم الآخر يعارض. وتساءل ميقاتي "اذا وقفنا كلنا الى جانب النظام هل ستكون لنا القدرة على حمايته وهل اذا وقفنا الى جانب المعارضة سنمكنها من اطاحة النظام؟" وعبر في هذا السياق عن مخاوفه من الارتدادات السورية على استقرار لبنان وسلامته وتساءل "هل استطيع ان اضمن الا ينعكس الوضع على لبنان؟ فجوابي كلا".
كما ان باريس التي تتبع سياسة تقشف مالية ابدت استعداداً لمساعدة لبنان، وعاد ميقاتي الى لبنان وفي جعبته قرض بقيمة 30 مليون أورو سيخصص لقطاع الكهرباء وهو نتيجة اعادة احياء التزامات مؤتمر باريس 3 وتمويل من صندوق التنمية الفرنسية قيمته 70 مليون أورو لمشاريع مائية في منطقة كسروان فضلاً عن ان باريس قدمت مساعدات لدعم الجيش اللبناني قيمتها 5 مليون أورو. ويمكن التأكيد ان جولة المباحثات بين ميقاتي وفيون اعادت فتح جميع الملفات الاقتصادية بين البلدين.
وعلى رغم ان ميقاتي يقر بان هناك تبايناً بين الموقف اللبناني والفرنسي حول الاحداث في سوريا تفهمت باريس الآثار السلبية التي يمكن ان تتركها الاحداث في سوريا على لبنان واكدت دعمها للمحافظة على الوحدة الوطنية ارضاً وشعباً لإبعاد الخلافات عن اللبنانيين. غير ان باريس التي تعبر عن ارتياح لإداء ميقاتي لا تعبر عن الارتياح الى حكومته على رغم انها تعتبر ان وجود حكومة أفضل من عدم وجودها.
بالتأكيد حصل ميقاتي على تفهم ودعم فرنسيين غير ان السؤال المطروح ماذا تنتظر باريس منه وهي التي لا تريد احراجه؟   

السابق
السفير: الوزراء العرب يطلبون التدخل العسكري الأجنبي في سوريا السفير: الوزراء العرب يطلبون التدخل العسكري الأجنبي في سوريا الوزراء العرب يطلبون التدخل العسكري الأجنبي في سوريا
التالي
أزمة سورية تفيض على دول الجوار