إنقاذ الديون لا إنقاذ الشعوب

أفادت صحيفة «إيل فاتو كوتيديانو» الإيطاليّة اليساريّة باحتمال أن يخضع ماريو مونتي، خلف سيلفيو برلوسكوني الّذي يُظهره الإعلام على أنّه «مخلّص إيطاليا»، للقيود الّتي يفرضها البنك المركزيّ الأوروبّيّ على الأسواق.
دخلت إيطاليا مرحلة ما بعد سيلفيو برلوسكوني حالما تولّى ماريو مونتي منصب رئيس وزراء إيطاليا بصفته مفوّضاً، بكلّ ما للكلمة من معنى. وسيعاونه مراقبون من صندوق النّقد الدّوليّ ومن البنك المركزيّ الاوروبيّ، تمامًا كما هي الحالة في اليونان. وتشهد إيطاليا راهنًا ولادة جمهوريّة جديدة تُعلن جليًّا عن نيّتها ضرب السّيادة الوطنيّة الإيطاليّة عُرض الحائط، شأنها شأن دستور البلاد وشتّى أشكال التّعبير الحقيقيّ عن الإرادة الشّعبيّة، وخير مثال على ذلك رفض «الأسواق» إجراء استفتاء شعبيِّ في اليونان. وفي السّياق نفسه، نظّم رئيس الجمهوريّة الإيطاليّ، جيورجيو نابوليتانو، خروجَ سيلفيو برلوسكوني من المشهد السّياسيّ لقاء مناورات مشبوهة للغاية من ناحية الشّرعيّة الدّستوريّة الّتي يُفترض أن يدافع رئيسُ الجمهوريّة عنها بلا كلل.
وينبثق من ذلك تشكيلة حكوميّة خاضعة لمشيئة طبقة سياسيّة معيّنة، وبعيدة كلّ البعد عن حكومة «الإنقاذ العامّ» أو حكومة «تكنوقراط»، فالإشارة إلى هذه الحكومة بأيٍِّ من المصطلحين خاطئة. فبدايةً، ستمتثل الحكومةُ إلى قيود أسواق المال غير مبالية بتحسين أوضاع المواطنين وبإنقاذ البلاد. ثمّ، ستكون هذه الحكومة الأكثر تسييسًا في مرحلة ما بعد الحرب العالميّة الثّانية. فجميع وزراء الطّبقة السّياسيّة المشاركة في حكومة «نابوليتانو ومونتي وغولدمان – ساكس» يصرّون على ضرورة تطبيق «تدابير لن تحظى بتأييد الشّعب»، غير أنّها بالأحرى «تدابير ضدّ الشّعب»، لا سيّما أنّ ماريو مونتي هو منذ العام 2005 مستشار بنك غولدمان – ساكس الأميركيّ. ونعمَ الدّيموقراطيّة!
في غضون ذلك، يسعى كثيرون إلى إقناع أنفسهم بنيات ماريو مونتي الحسنة. ولكنّه لم يترأّس الحكومة لإبداء نياته الحسنة، ولا لسَنّ قانون انتخاب مناسب، بل بهدف «إعادة تثقيف» الإيطاليّين حول الدَّيْن، وتطبيق أوامر البنك المركزيّ الاوروبيّ. إذًا، لقد أتى مونتي، وهو الماويّ المعاصر، من أجل «تثقيف» الشّعب. ما العمل إذًا؟ ينبغي حشد أضخم معارضة شعبيّة ممكنة، والاستعداد لإرساء أسس معارضة سياسيّة جديدة.
ينبغي التّوجّه إلى صناديق الاقتراع خلال مدّةٍ قصيرة. لست واثقًا من أنّ الأحداث ستأخذ هذا المنحى، ولكنّني أعلم أنّ حكومة «نابوليتانو ومونتي وغولدمان – ساكس» ستدوم بالكاد سنتين. فالأزمة تتفاقم بسرعة، ويستحيل سداد الدّين عبر مناورات لن تُسهم في خفض مستوى معيشة شرائح كبيرة من المجتمع ٍ تعسّفيّا فحسب، بل ستغتصب أيضًا حقوقها الأساسيّة الّتي يضمنها الدّستور.
يُعتبر الدَّيْن بمثابة سرقة تتمّ على حساب الغالبيّة وتصبّ في مصلحة الأقلّيّة. الدَّيْن ظالم وغير مشروع. لذا، سنتمسّك بحزمٍ وإصرار بحقوقنا الّتي يكفلها الدّستور. لم نتخَلَّ عن حقوقنا ولا ننوي التّخلّي عنها. وينصّ الدّستور على حقّنا وواجبنا في الدّفاع عن نفسِنا بوجه أيّ انتهاك قد يطال حقوقنا وحرّيّاتنا. لقد أساءت أوروبّا استخدام السّلطة الّتي منحناها إيّاها، ذلك أنّ ممارستَها هذه السّلطة لم تتوخَّ مصالحنا يومًا ولم تتناغمْ مع مبادئنا الدّستوريّة. يحقّ لنا إذًا أن نطالب باستردادها، على الأقلّ مؤقّتًا، ريثما تتحرّر أوروبّا من قبضة أصحاب المصارف، وتبدأ بتلبية تطلّعاتنا…  

السابق
بري دعا الى جلسة تشريعية في 22 الحالي
التالي
ميقاتي يحتمي بالحريري ويحميه