سوريا من مجلس الأمن الى الحرب الأهلية؟

لم يكن مفاجئاً قط للشعب السوري ولا للشعوب العربية ولا الأوساط الدولية عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار بالنسبة للوضع السوري المأسوي، فرفع ملف سوريا إليه من قبل الجامعة العربية كان أشبه منه بالموقف المبدئي من أي شيء آخر، ذلك أن الجميع كانوا يعلمون أن روسيا، من خلال تصريحات كبار مسؤوليها ووسائل إعلامها الرسمية، لا بل من خلال سلوك قادة النظام السوري اليومي أنفسهم ونسبة تزايد وتيرة القمع الوحشي للتظاهرات السلمية وارتفاع عدد الشهداء والضحايا في صفوفها، قد أعدّت العدة لتعطيل اي قرار يشكّل إدانة لنظام دمشق أو يشتمل على بنود تطاول قادة هذه النظام.
وكان يسود رأي بأن الصين بدورها قد تحذو حذو روسيا، بالرغم من رواج مناخ سياسي غير واضح أن الصين أصبحت أكثر تفهماً لمطالب المعارضة السورية وممتعضة لتصاعد عدد الضحايا اليومي. الصدمة المباغتة كانت في رفض هاتين الدولين المبادرة العربية برمّتها، ومشروع القرار نفسه.
المندوب السوري حاول بلغة خشبية تعود الى عقود مضت عفا عليها الزمن، أن يروج في كلمته بسلسلة من العبارات الفخمة ذات العلاقة بقضية فلسطين والمقاومة والممانعة في الوقت الذي تعلم فيه الشعوب العربية منذ عام 1972 لم تسجل هضبة الجولان المحتل طلقة واحدة قط.
لا بل عندما يتحدث عن الممانعة يظن أن الشعوب العربية لا تعلم أن نظام دمشق كان يلهث وراء محادثات سلام سرية مع إسرائيل وذلك عبر الوسيط التركي.
لقد أطلق الواقع المأسوي القائم يد حكام دمشق لتمعن قصفاً وتدميراً في حمص (حي الخالدية) فكانت الأبنية تشتعل والقذائف تنهمر والشهداء بالمئات والجرحى بالألوف، في اللحظة ذاتها الذي كان ينعقد فيه مجلس الأمن دون جدوى.
من منا قرأ بتمعن كتاب "باتريك سيل".. وهو صحافي بريطاني متزوج من سورية ويتقن العربية جيداً وعنوانه "الأسد" يتذكر جيداً ثلاث مسائل رئيسية: الأولى، ان حافظ الأسد كوريثه بشار، في المنطق والعقلية والأسلوب، كان آخر همّ لديه حيال تحقيق غاياته هو عدد الضحايا، فلا عجب والحالة هذه أن يسقط خلال عشرة أيام في حماه وحدها ما يناهز آلاف الشهداء (عام 1982).
الثانية: ان حرب تشرين 1973 لم تكن سوى حرب تحريكية بهدف الدخول في مفاوضات لائقة مع إسرائيل، وان القضية الفلسطينية وحرب التحرير الطويلة الأمد الخ.. ليست سوى بضاعة إعلامية مناسبة للترويج الدعائي.
الثالثة ان حافظ الأسد كان يسعى وراء الامساك بثلاث أوراق في آن معاً: سوريا، وقد تحقق ذلك له فعلاً عام 1971 بانقلابه العسكري المسمى بـ"الحركة التصحيحية"، لبنان، حيث استطاع اراسل قواته اليه بذريعة الدفاع عن المسيحيين ومنع تقسيمه، حيث تدفقت دباباته عبر "شتورة" في الوقت الذي كان فيه الكسي كوسيغين رئيس الوزراء السوفياتي يزور دمشق، وما لبث لبنان أن خضع بكامله للوصاية السورية دون أي اعتراض أميركي.
وفلسطين: التي عيل صبره وهو يحاول الامساك بها سواء عبر لبنان، أو مباشرة فلم يستطع تحقيق غايته فقضى نحبه دونها.
وهكذا سوف يضطر بشار نفسه فيما بعد لسحب قواته من لبنان (نيسان 2005) بعد زلزال 14 آذار، مكرهاً، وذلك تحت الضغط الشعبي اللبناني والانذارات الدولية التي نقلها اليه العاهل السعودي. لا بل اضطر بعد استضافته لحركة "حماس" وقيادتها أن يتابع بأم العين مغادرة هذه القيادات دمشق بعد رفضها أن تتحول الى شهود زور أمام المذابح الدموية. وعلى امتداد 11 سنة حاول الأسد الإبن الحؤول دون قيام أية مصالحة بين "فتح" و"حماس"، يسانده في ذلك النظام الايراني بإمكانياته المالية الوازنة، إلا أن المصالحة قد تحققت وإن كانت ما زالت تتطلب جهوداً اضافية لاستكمالها.
اننا نتذكر تماماً أحد أركان البعث في العراق المدعو "علي صالح السعدي" عندما قال في منتصف الستينات: "لقد جئنا الى الحكم في القطار الأميركي ونرحل عنه في القطار الأميركي نفسه!". ولولا الموافقة الأميركية لما استطاع البعث ركوب السلطة في العراق، ولولاها أيضاً لم استطاع النظام السوري فرض وصايته على لبنان (1995)… وما لا شك فيه أن القرار 1559 الذي كرس التفاهم الأميركي الفرنسي حول مستقبل لبنان (بوش شيراك) عام 2004 قد لعب دوراً رئيساً في انهاء عهد الوصاية السورية. فالذي أعطى هو الذي أخذ.
إن ما يدور في اللحظة التاريخية الراهنة، هو أخطر ما يمكن لنا تصوّره، بعد تكرار فشل مجلس الأمن في وقت حمامات الدم في سوريا، وهو، رغم تصور البعض امكانية نجاح عرض الملف السوري على الأمم المتحدة ومحاولة تكرار التجربة الكورية (1949)، هو اندلاع الحرب الأهلية هناك.
ترانا نتساءل بحق: هل يملك نظام دمشق خياراً آخر بعد إعلان إفلاسه النهائي والمحتوم.  

السابق
إبتزاز
التالي
حكومة ميقاتي: كيديّة وفوقيّة وتسلّط