السفير : التوتر يكبر شمالاً .. وإجراءات وقائية للوحدات العسكرية

كتبت السفير :
فيما ينوء البلد تحت وطأة أزمة حكومية تتحكم فيها مزاجية سياسية لا سقف لها، شلت الحكومة وعطلت شؤون الناس، هبت رياح رئاسية تنذر بسلوك هذه الأزمة منحى اكثر تصعيدا بتلويح رئيس الجمهورية ميشال سليمان بإقالة وزير العمل شربل نحاس، حيث نقلت عنه محطة «الجديد قوله: «إن هناك تدابير ستتخذ بحق نحاس اذا ما استمر على موقفه (بعدم توقيع مرسوم بدل النقل)، فإما ان يقال بأغلبية الثلثين من مجلس الوزراء او يتم تغيير حقيبته بموجب قانون. فيما رفض وزير العمل التعليق على هذا الكلام في انتظار التيقن من موقف سليمان.
وبينما كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يطرق الباب الفرنسي في زيارة رسمية هي
الأولى له كرئيس حكومة، هبت رياح شمالية على المشهد الداخلي، وأعادت الهاجس الامني الى الواجهة مجددا، من خلال كرة النار التي عادت تكبر ما بين باب التبانة وجبل محسن، فيما نفذ الجيش اللبناني إجراءات في الشمال لمنع أي إخلال بالامن والقانون.
تفهم فرنسي لنأي لبنان
بنفسه عن الوضع السوري
فقد استقبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قصر الاليزيه امس، وعلى مدى ثلاثة ارباع الساعة الرئيس ميقاتي الذي التقى ايضا رئيس الحكومة الفرنسية فرانسوا فيون ورئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جان بيار بيل.
وكتب مراسل «السفير في باريس محمد بلوط أن «لا مخاطرة فرنسية بالاستقرار اللبناني بإدراجه في الإستراتيجية الهجومية حيال النظام السوري تحت العنوان البارز لتجميع أصدقاء سوريا في إطار مجموعة اتصال لتنسيق السياسات الدولية ضدها.
فبعد اجتماع ساركوزي مع ميقاتي، تجنب الطرفان، بحسب مصدر في الإليزيه، الحديث مباشرة عما يجري في سوريا، مكتفين بتناول الحدث السوري من جانب النظر في الملفات الإقليمية تفاديا لإحراج فرنسي لبناني متبادل، وفي ملف يختلف تقييم الطرفين لطريقة التعامل معه، بسبب التفاوت الكبير والبديهي، في مساحة المناورة المعطاة لكلا الطرفين. ودعما لشعار النأي بالنفس الذي ظهر حجر الزاوية في التصريحات التي أحاطت بالزيارة الميقاتية الأولى إلى باريس بعد عام من الانتظار، طلب رئيس الوزراء اللبناني، كما قال على درج الإليزيه، «دعما من الرئيس الفرنسي ساركوزي أن يكون لبنان بمنأى عن التطورات في الوضع العربي (من دون ان يأتي على ذكر سوريا)، وأكدت على ذلك أمام الرئيس الفرنسي، ووعدني بذلك، وأكدت ايضا على دعم ما قمت به وما أقوم به وأن يكون لبنان بعيدا عن أي أمر
ورسميا لم يطلب الفرنسيون من لبنان تطبيق اي عقوبات مالية بحق سوريا، لكن الرئيس ميقاتي استبق ذلك، بالإعلان أن «لبنان يطبق حرفيا العقوبات بحق سوريا، ولن نترك لأحد المجال لانتقادنا

ويبدو أن الزيارة قد حققت هدفها الأساسي المعلن بأنها قد جرت على الأقل. وقال مصدر في الإليزيه إن ساركوزي «شكر ميقاتي على قراره تمويل المحكمة الدولية وكان بارزا أن يستقبل الإليزيه، قبل وصول ميقاتي، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان، حيث بحث ساركوزي معه الملفين اللبناني والسوري وتنسيق المواقف.
وشكل موضوع «اليونيفيل أيضا، نقطة نقاش بين ساركوزي وميقاتي، ولكن من دون أي مفاجآت او تغييرات في الموقف الفرنسي المعروف، وفرصة فرنسية في المقابل للنأي بالنفس عن أية مواقف قد تعرض الجنود الفرنسيين لمخاطر تترتب على المواقف السياسية لباريس في الملف السوري. وقال مصدر في الإليزيه إن الرئيس الفرنسي، جدد طلب اتخاذ لبنان الإجراءات المناسبة لحماية جنود «اليونيفيل من أي هجمات جديدة. ولا تزال فرنسا تعتزم تخفيض عديد قواتها العاملة في القوات الدولية من 1300 إلى 1000 جندي، على ان يعلن عن القرار بعد انتهاء عملية تقييم الإستراتيجية الحالية لهذه القوات لدى قيادتها في نيويورك، على أن تصدر في نهاية الشهر الحالي. وينتظر الفرنسيون أن يتسع انتشار الجيش اللبناني في هذه المنطقة للحلول محل قواتهم المنسحبة مستقبلا.
أما ملف المعتقل اللبناني جورج ابراهيم عبد الله، فقد تم تناوله من بين الملفات التي طرحت. وقال مصدر في الإليزيه إن رئيس الوزراء اللبناني فاتح الرئيس ساركوزي، بأنه ينوي مناقشة طلب اطلاق سراح جورج عبد الله مع المسؤولين الفرنسيين المعنيين. وبرزت اشارات إلى احتمال الا تكرّر وزارة العدل الفرنسية الإيعاز إلى المدعي العام الفرنسي استئناف اي قرار يصدره القضاء الفرنسي بإطلاق عبد الله، بعد رد القضاء الفرنسي 6 طلبات لإطلاق سراحه، ورفض الادعاء العام موافقة اولى على واحد منها. وردا على سؤال عما إذا كانت وزارة العدل الفرنسية ستطلب استئناف اي قرار محتمل بإطلاق سراح عبد الله كما فعلت قبل اعوام، قال مصدر في الإليزيه لـ«السفير: «ان الطلب قد قدم والقضاء الفرنسي هو الذي يقرر.
وبحسب مكتب ميقاتي فإن الرئيس الفرنسي أثنى على الجهود التي يبذلها ميقاتي «للمحافظة على الاستقرار في لبنان. وأبدى تفهمه «لموقف لبنان بالنأي بالنفس عما يجري في محيطه العربي وأكد جهوزية فرنسا لدعم لبنان اقتصاديا وتقنيا. ووصف ميقاتي اللقاء بـ«الجيد جدا وقد شعرت بمدى حرص الرئيس الفرنسي على سيادة لبنان واستقلاله، وعلى ان يكون لبنان بعيداً عن أي توتر.
وقال ميقاتي انه طلب مساعدة الجيش اللبناني وزيادة امكاناته. وشدد على اهمية وجود القوات الدولية في جنوب لبنان والمساهمة الفرنسية فيها. كما طلب من الرئيس الفرنسي أن يقوم بالضغط على اسرائيل لوقف خروقاتها للسيادة اللبنانية، ووقف أعمالها التجسسية ضد لبنان.
الشمال: إجراءات وتوتر وانفجار
على صعيد آخر اتخذ الجيش اللبناني إجراءات في اليومين الماضيين تمثلت بتعزيز وجوده على الحدود الشمالية مع سوريا، كما اتخذ بعض النقاط الثابتة في أكثر من بلدة حدودية، تمهيداً لانتشاره بشكل كامل على طول الحدود في الساعات المقبلة، وقد لقيت هذه الإجراءات ترحيباً واسعاً من قبل أهالي المنطقة وفعالياتها.
بموازاة ذلك شهدت منطقة باب التبانة وجبل محسن امس، توترا ملحوظا تخلله تبادل اطلاق نار ادى الى سقوط عدد من الجرحى وسمع خلال الليل دوي بعض الانفجارات. وقد اتخذ الجيش اجراءات أمنية وقام بسلسلة مداهمات في المنطقة، وأصيب ثلاثة عسكريين بجروح نتيجة تعرضهم لإطلاق نار.
وإذا كان إخماد هذه النار يقع في صلب مسؤولية القوى الامنية ولا سيما الجيش اللبناني الذي اتخذ في الفترة الأخيرة إجراءات امنية مشددة مع تنفيذ مداهمات في تلك البقعة، فإن المسؤولية الكبرى تقع ايضا على القوى السياسية لاطفاء فتيل التوتير الذي اخذ في الساعات القليلة الماضية شكل مناوشات متفرقة واستفزازات وإلقاء قذائف ليليلة بين حين وآخر، دبت الذعر في صفوف الاهالي الذين باتوا يخشون من ان تتدحرج كرة النار مع ما لذلك من آثار مباشرة على امنهم واستقرارهم.
وفيما تتنصل الاطراف المعنية في باب التبانة وجبل محسن من مسؤولية افتعال التوتير، فإن ذلك يحمل على إحاطة هذا الامر بعلامات استفهام حول الجهة التي تعمل في الخفاء للتخريب الامني، وحول مغزى جرّ هذه المنطقة الى التوتير الامني وبالتالي إشغال القوى الامنية وتحديدا الجيش اللبناني في غير موقعه، ومدى ارتباط ما يجري بالحدث السوري وبالتطورات الامنية والمنحى التصاعدي والدراماتيكي الذي سلكته الاحداث في الآونة الاخيرة.
وأعرب مصدر عسكري رفيع عن تخوفه من ان تكون خلف ما يجري نوايا مبيتة تحاول افتعال مشكل لنقل الوضع الى ما هو ادهى. وقال لـ«السفير
: ان التوقيت خبيث، ونتمنى الا تكون هناك محاولة لإلهاء الجيش، خاصة ان قرار الجيش هو ضبط الامن والاستقرار ومنع كل ما يمس الامن الوطني وأمن الناس وسلامتهم ومهما كلف الامر، وبالتالي ستقوم الوحدات العسكرية بكافة الاجراءات التي تحتمها عليها المسؤولية والواجب.
وفي هذا السياق، دعا رئيس الجمهورية ميشال سليمان القوى العسكرية والامنية الموجودة على الارض في طرابلس الى الحزم في قمع المخلين بالامن والسلم الاهلي، فيما تابع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من باريس الوضع المستجد في طرابلس، واتصل بقائد الجيش العماد جان قهوجي طالبا اليه اتخاذ التدابير اللازمة لوقف الأحداث في المدينة وإعادة الهدوء اليها.
من ناحية اخرى (طرابلس ـ «السفير) تركت حادثة انفجار مخزن للأسلحة في مزرعة في طرابلس تساؤلات عدة حول وجود السلاح في المدينة، وعمليات التسلح القائمة فيها، وقد وضعت الأجهزة الأمنية يدها على هذا الملف وأوقفت صاحب المزرعة ويدعى غ. ب. وعددا من العاملين فيها وباشرت التحقيقات معهم لمعرفة ملابسات هذا الموضوع.
فعند الساعة التاسعة من ليل أمس دوى انفجار كبير في مزرعة في زيتون أبي سمراء قرب جامعة الجنان، تبين أنه ناتج عن انفجار مخزن للذخيرة، حيث أصيب أربعة أشخاص هم السوري م. د.، واللبنانيون ب. ض.، أ. ع.، ود. س.
ولم تستبعد مصادر أمنية ان يكون الانفجار ناجما عن خطأ ما لدى نقل أسلحة وذخائر من المخزن، وربما يكون الامر مرتبطا بالاشتباكات بين باب التبانة وجبل محسن.
وتضيف هذه المصادر أنه عثر في المخزن على كميات كبيرة من الرصاص والقنابل وقذائف الآر بي جي، والـ«لاو، إضافة الى عدد كبير من القواذف.
وأشارت مصادر أمنية الى أن صاحب المزرعة (وهو رجل كبير السن من مواليد عام 1942) نفى علمه بوجود مخزن للأسلحة ضمن مزرعته، في حين تنتظر الاجهزة الامنية تحسن الحالة الصحية للمصابين لتتمكن من مباشرة التحقيق معهم.   

السابق
حكومة ميقاتي: كيديّة وفوقيّة وتسلّط
التالي
الشرق : انفجرت بين التبانة وبعل محسن ونزوح الاهالي