ميقاتي في باريس: لبنان ليس من «أصدقاء سورية»

وسط الجمود السياسي الذي طغى بشكل لافت في الايام الاخيرة على الأزمة الحكومية اللبنانية وانعدمت معه اي وساطات فعلية لانهائها بسرعة، بدا من الواضح ان هذه الازمة باتت محكومة بعامليْن اساسيين احدهما داخلي والآخر يتصل بالآفاق الغامضة للازمة السورية.
ووفق المعطيات التي انتهت اليها التحركات الداخلية المتصلة بالمساعي الاولية التي بُذلت لايجاد مخرج من شأنه ان يعيد الحركة الى مجلس الوزراء، تبيّن لمصادر مواكبة لهذه التحركات ان هناك عجزاً حقيقياً حتى الان على الاقل لدى اي طرف، عن طرح مخرج واقعي من شأنه ان يساعد كلاً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون على الخروج من موقفيهما اللذين اضحيا اسيريْن له. فلا ميقاتي في امكانه التراجع عن موقفه من تعليق جلسات مجلس الوزراء من دون الحصول على ضمانات الحد الادنى بعدم عرقلة الوزراء العونيين للملفات التي ستُدرج على جدول الاعمال قبل بت الخلاف على بعض التعيينات التي كانت سبب هذه الازمة خصوصاً ان عون يشترط على ما يبدو صفقة واسعة يحظى بموجبها بتعيين مَن يرشحه لرئاسة مجلس القضاء الاعلى وهو المنصب الرئيسي الذي يقوم خلاف بين عون ورئيس الجمهورية ميشال سليمان عليه. ولا عون في امكانه التراجع عن شروطه بعدما رفع وتيرة تصعيده الى سقف مرتفع جدا كعادته عبر حملته الحادة على سليمان وميقاتي. وهو امر تقول المصادر يحتاج الى كثير من المكوكيات من اي وسيط محتمل سواء كان رئيس مجلس النواب نبيه بري او « حزب الله» اللذين يُظهران تمهلاً لافتاً في فتح جسور الوساطة. حتى ان بعض المعطيات يفيد ان بري عاتب ضمناً على ميقاتي لانه لجأ الى خطوة افادت عون وجعلت رئيس الحكومة يضع نفسه في موقع محرج. في حين ان « حزب الله» يصعب ان يكون وسيطاً متجرداً لانه ينحاز دائماً الى عون. وهذا الواقع سيحتاج ربما الى وقت غير قصير للبحث عن مخرج قد يمتد الى ابعد من نهاية الشهر HG[HND.
وانطلاقا من ذلك لا تخفي المصادر المواكبة نفسها امكان حصول تقاطع بعض المصالح للافرقاء الحكوميين في جعل استحقاق التمديد للمحكمة الدولية نهاية هذا الشهر يمر في غفلة عن الازمة الحكومية، فيتخلص ميقاتي من إحراج هذا الاستحقاق فيما يبقى «حزب الله» محتفظاً بموقفه الرافض مبدئياً للتمديد من دون اضطراره الى خوض معركة خاسرة جديدة في هذا الملف على غرار ملف تمويل المحكمة. ولكن ذلك لا يعني ان هذا المرور المحتمل للتمديد للمحكمة قد لا يثير لاحقاً مضاعفات من نوع آخر خصوصاً اذا اصطدمت المساعي لانهاء الازمة الحكومية بعقبات من النوع الذي لا يمكن تذليله، ومن شأن ذلك ان يضيف عامل تمزق جديداً في صفوف الحكومة.
اما بالنسبة الى العامل السوري، فتعتقد المصادر نفسها ان تصاعد العنف والقمع واتساعهما بشكل مخيف في الايام الاخيرة جعل مختلف الافرقاء ومن بينهم قوى 8 آذار يتهيّبون الموقف وانعكاساته المحتملة على لبنان خصوصاً ان تفاقم موجة التصعيد شكل اقتناعاً لا يعترف به هؤلاء بان وضع النظام السوري ليس بالصورة التي يزعم حلفاؤه علناً بانها تعكس ارتياحه الى الامساك بزمام الامور. ذلك ان الغرق العبثي في محاولات الحسم العسكري من دون النجاح فيها بات يشكل هاجساً ضمنياً لدى حلفاء النظام السوري حيال المضاعفات الضخمة التي تثيرها موجات التصعيد والتي تتسبب لبنانياً بارتفاع الاحتقانات الى ذروتها لدى فئات لبنانية حزبية ومذهبية معروفة.
وستشكل مناسبة احياء الذكرى السابعة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير محطة سياسية واعلامية اساسية سيكون عنوانها الابرز التعاطف والتأييد للثورة السورية واعلان اقوى المواقف المناهضة للنظام السوري بما من شأنه ان يعيد تأكيد التوازن السياسي الذي يحكم لبنان حتى في ظل حكومة الاكثرية الراهنة.
وفي رأي المصادر ان قوى المعارضة ستتكئ بقوة على ثلاثة عناصر هي: الضعف الكبير الذي بات يختصر مشهد خصومها في الحكومة وسط تخبطهم في ازماتهم المتلاحقة، والمشهد الدولي والعربي العريض المناهض للنظام السوري، والتململ الواسع لدى الرأي العام اللبناني حيال اخفاق الحكومة في الكثير من الملفات الداخلية الحيوية. وهي عوامل توفر فرصة كبيرة للمعارضة لجعل الشهر الفاصل بين ذكرى 14 فبراير (سيتم احياؤها في «البيال») التي ستتخللها كلمات لقادة 14 آذار وبينها خطاب متلفز للرئيس سعد الحريري من باريس وذكرى 14 مارس (انتفاضة الاستقلال) مساحة مفتوحة لعرض مواقفها واستنهاض قواعدها من جديد.
وعلى وقع هذا المناخ، توجّه الرئيس ميقاتي الى باريس امس على ان يبدأ اليوم لقاءاته الرسمية التي تشمل تباعاً رئيس مجلس الشيوخ ثم الرئيس نيكولا ساركوزي في قصر الاليزيه فرئيس الحكومة فرنسوا فيون ووزير الخارجية آلان جوبيه، على ان تُستكمل غداً بلقاء فاعليات اقتصادية والجالية اللبنانية.
واذا كانت زيارة ميقاتي، وهي الاولى الرسمية له لفرنسا منذ تكليفه تشكيل الحكومة في يناير الماضي تنطوي على رسالة دعم له من عاصمة أوروبية مؤثرة بما يعزز رصيده الخارجي وحضوره الدولي، فإن جانباً آخر منها يشكّل إحراجاً لرئيس الوزراء اللبناني لا سيما في ضوء تولي باريس دوراً قيادياً في دفع «مركب» عزل النظام السوري وتنظيم «مؤتمر اصدقاء سورية».
ومن المعلوم ان البحث بين ميقاتي والمسؤولين الفرنسيين سيتركّز على الشأن السوري والمحكمة الدولية وموضوع «اليونيفيل» والحفاظ على أمن الوحدة الفرنسية فيها.
وسيسمع رئيس الوزراء اللبناني، كما سبق ان اعنلت الخارجية الفرنسية، موقفاً يؤكد الحرص «على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته، والاستنكار الشديد لعمليات التوغل التي ينفذها الجيش السوري في الاراضي اللبنانية، وتأكيد ضرورة حماية اللاجئين السوريين الى لبنان». كما ستشدد باريس على «حرصها على مواصلة عمل المحكمة الخاصة بلبنان، واهمية التعاون بين لبنان والمحكمة لوضع حد للافلات من العقاب».
وكان لافتاً ان الوفد الذي يرافق ميقاتي لا يضم وزراء. ورغم تبرير تقارير هذا الأمر بان وزير الخارجية عدنان منصور سيكون مرتبطاً بالمشاركة في اجتماعين عربيين، أولهما اجتماع وزراء الخارجية لـ «لجنة مبادرة السلام العربية»، والثاني الاجتماع غير العادي لمجلس وزراء الخارجية العرب، فان معلومات أخرى تحدثت عن ان ميقاتي تعمّد اختيار فريق استشاري لمرافقته بعد اصرار منصور على حضور اللقاء الذي سيعقده مع ساركوزي.
وفي محاولة لـ «طمأنة المشككين»، أكد ميقاتي الذي يمكن ان يلتقي في العاصمة الفرنسية الرئيس سعد الحريري للاطمئنان عليه بعد خضوعه للعملية الجراحية في ساقه اليسرى، أن زيارته لباريس ليست فرصة لإستخدام لبنان منصة ضد سورية، رافضاً أن يصبح لبنان ممراً ضد أي بلد عربي «وإضافة الى ذلك فإن مجتمعنا منقسم حول الموضوع السوري ولدينا مصالح مشتركة يجب أخذها بالاعتبار أهمها ان 80 بالمئة من حدودنا هي مع سورية، ويجب أخذ كل هذه المعطيات في الإعتبار».
وأكد ميقاتي في حديث صحافي استحالة قبول لبنان أي دعوة للمشاركة بـ«مؤتمر أصدقاء سورية» في حال دعاه المسؤولون الفرنسيون لذلك، وقال ان «الذين يحبون لبنان يجب أن يتفهموا موقفه، لا يمكننا سوى أن ننأى بأنفسنا».
ورفض رئيس الحكومة، الذي أصدر مذكرة بالاقفال يوم 14 فبراير لمناسبة الذكرى السابعة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، ربط زيارة باريس بمسألة تمويل المحكمة الدولية، مؤكداً «ان الزيارة ليست هدية أو مكافأة على قرار التمويل الذي جاء لمصلحة لبنان».
ورداً على سؤال عما إذا كان سيلتقي الرئيس سعد الحريري، قال: «نحن شرقيون وبحسب عاداتنا وتقاليدنا من الطبيعي الاطمئنان على صحة من يتعرض لحادث ويخضع لتدخّل جراحي وإذا سمح وقتنا يمكنني حتى أن أزوره. ولكن هذا لا علاقة له بالسياسة»  

السابق
صدم مواطن على اوتوستراد الطيونة
التالي
روسيا تحذر إسرائيل من العواقب “الكارثية” للهجوم على إيران