ما الذي جرى بين “حماس” وأركان النظام في سوريا؟!

تعاطت حماس مع الثورات العربية بحذر وبشكل رسمي مع تعاطف واضح بخاصة من قبل قاعدتها الجماهيرية والشعبية ان في الداخل او في الشتات. نجاح الثورات السريع في تونس ومصر وضمن مهلة زمنية قصيرة سهل من مهمتها و ازال عنها الحرج في اتخاذ موقف واضح وصريح الامر الذي لم يتحقق طبعا في الحالتين الليبية والسورية .
اندلاع الثورة في سورية احرج حماس وصعب من قدرتها على الاحتفاظ بموقفها الحذر والوسطى لعدة اسباب منها وجود قيادة الحركة في العاصمة السورية وتعقيدات وتشابكات وتقاطعات الدور المركزي الذي-كانت- تلعبه دمشق في المنطقة اضافة الى تواصل الثورة لعام تقريبا والجرائم البشعة والفظيعة التي ارتكبها النظام ضد الشعب الثائر وهي العوامل التي لم تسمح للحركة المقاومة في النأى بنفسها عن الثورة وتطوراتها ومنحاها التصاعدي .
نصحت حماس منذ البداية وعلى لسان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل القيادة السورية بالانصات لمطالب الشعب وقراءة ما يجري في المنطقة بشكل صحيح والشروع الجدي في خطط الاصلاح الشاملة السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستعان مشعل في ذلك بقيادة حزب الله وسمع مثلهم تطمينات رسمية بنية وارادة القيام بالاصلاحات المطلوبة غير ان النظام غير الجاد كان طامعا في الانصياع التام لتوجهاته وتصوراته والتحرك ضمن المساحة التي يريدها وهكذا استدعى الرئيس السوري في نيسان الماضى خالد مشعل طالبا منه الوساطة مع اصدقائه القطريين والشيخ القرضاوي واقناعهم بوقف تغطية الجزيرة البعيدة عن رقابة النظام ووجهاته المختصة ولم يضيع مشعل فرصة اللقاء ناصحا بالانصات والاصلاح قبل ان يسافر الى الدوحة للقاء اصدقائه بما فيهم الشيخ القرضاوي وتم التوافق على الحرص على سلامة واستقرار وامن حليفتهم واستعدادهم التام لمساعدتها على تجاوز الاحداث مع نصيحة بالابتعاد عن الحل الامني ووتنفيذ اصلاحات جدية وسريعة على الارض لتهدئة الشارع الثائر وعندما عاد قائد حماس الى دمشق لم يتمكن من لقاء الرئيس واستعاض او اجبر على الاستعاضة عن ذلك باللقاء مع اللواء علي المملوك ناقلا اليه حصيلة حواراته في الدوحة والقاعدة الاساسية لها يجب على النظام ان يساعد نفسه كي يساعده الاخرون غير ان مشعل فوجئ بعد خروجه من الاجتماع بتسريبات عن تبنيه الموقف السوري الرسمي ونجاحه في اقناع اصدقائه القطريين بذلك وان ما يجري ليس سوى نشاط لجماعات مسلحة وقطاع الطرق وأصحاب السوابق فشعر بالاهانة والغضب ورغم ذلك صاغت الحركة بيانها االرسمي الاول-احد بيانين يتيمين حول الثورة-بميزان الذهب وتم فيه ابداء التضامن مع سورية والثقة في قدرة القيادة والشعب على تجاوز الامر بما فيه المصلحة الوطنية والقومية .
البيان لم يرض النظام وجهاته المختصة التي طلبت من الحركة وبشكل رسمي تبني وجهة النظر الرسمية والدفاع عنها والانخراط مع التنظيمات الفلسطينية الصغيرة التابعة له في القيام بفعاليات تضامنية في وجه المؤامرة المزعومة التي تستهدف الدور السوري المقاوم والممانع وهو ما تملصت منه حماس خصوصاً في ظل تأييد قاعدتها العريضة وبخاصة في الداخل لمطالب الثورة والشعب العادلة والمحقة وهنا بدأت الحرب غير المعلنة ضد الحركة بداية من اطلاق الشبيحة على الفضائيات واتهامها بانها ليست سوى جزء من جماعة الاخوان المسلمين العميلة لاميركا والانجليزية المنشأ ثم طلب منها بشكل رسمي غير معلن ايضا عدم القيام باي نشاطات جماهيرية وتنظيمية في سورية وصولا الى الطلب من قادة الحركة التخفيف من تحركاتهم الشخصية بحجة ان الجهات المختصة قد لا تكون قادرة على حمايتهم وحفظ امنهم .
حماس فهمت الرسالة بخاصة بعد ان شعرت القيادة بالانكشاف الامني ووصل الامر حتى الى التوجس من احتمال قيام احدى الجهات المختصة الكثيرة بالانتقام عبر تنفيذ عمليات اغتيال لبعض القادة والرموز والقاء التبعة على الجماعات الارهابية المسلحة وردت اولاً عبر التوصية بمغادرة سوريا لكل من يستطيع من العناصر والكوادر فى المستويات القيادية المتدنية ثم عقدت اجتماعاً تشاورياً موسعاً بعد عيد الاضحى تشرين الاول الماضي تم فيه اتخاذ القرار بمغادرة سوريا نهائيا بموعد اقصاه 25 تشرين الثاني نوفمبر والذي كان من المفترض ان تتم فيه زيارة خالد مشعل الى الاردن ورغم تأجيل الزيارة الا ان تنفيذ القرار بدأ على الفور عبر مغادرة عائلات القادة والمسؤولين الى عدة بلدان بينما امضى هؤلاء اغلب وقتهم فى الشهور الاخيرة خارج دمشق متنقلين بين عدة عواصم لاختيار المكان المناسب للاقامة، وبدت زيارة مشعل لعمان الاحد الماضي وكانها الاعلان الرسمي والعلني عن مغادرة الحركة لسوريا بشكل شبه نهائي ورسمي مع الاحتفاظ بوجود رمزي وشكلي تحسبا للتطورات في قادم الايام .
بناء على المعطيات السابقة يمكن الخروج بالحقيقة الساطعة التي تفيد ان حماس غادرت دمشق بشكل شبه تام ونهائي وقيادتها بصدد البحث عن مكان اخر غير ان المشكلة تكمن في قرار بعض الدول باستقبال فردي وليس جماعياً لقادة الحركة وهكذا وافقت الدوحة مثلا على استقبال مشعل وحده مع تقييد ما على حركته السياسية والاعلامية بينما وافقت القاهرة على استقبال قيادي واحد ايضا هو موسى ابو مرزوق الذي تقيم عائلته الان فى القاهرة بشكل مؤقت بينما تم استئجار مبنى كامل في احد احياء -شرق -القاهرة الجديدة للاقامة الدائمة ويتم الحديث عن مكتب وقيادي واحد ايضا في السودان وربما في تركيا ايضا وباختصار ليس من فرصة او احتمال لموافقة اي من الدول على منح مأوى قيادي جماعي للحركة ما يجبرهم على الخروج ب استنتاجات شخصية وسياسية اهمها ان الثقل القيادي ينتقل او انتقل عمليا من الخارج الى الداخل وغزة تحديدا وهذا يعني تغييرات قيادية كبيرة في هرم وقاعدة المكتب السياسي وهو ما سيحدث حتما في الفترة القادمة واعلان خالد مشعل عن نيته عدم الترشح لرئاسة المكتب السياسي ليس سوى رضوخ او تأقلم مع الواقع الجديد الاخذ في التبلور فلسطينيا عربيا واقليميا .
  

السابق
أمريكا تدرس إقامة تحالف جديد من أجل سوريا
التالي
نواب 14 آذار يتحدثون عن استعدادات عسكرية سورية للدخول إلى مناطق لبنانية