الإسلام والثورة السورية!

من الصعب قبول العنوان كما هو, لكنني فضلته لكي أقول أن حضور التيارات الاسلامية في الثورة السورية, قيل عنه الكثير وكتب عنه الكثير, واعتقد أن كتابات لا بأس بها كانت جادة في تناول هذا الموضوع لما له من حساسية في وضعية الربيع العربي عموما والسوري خصوصا, الاسلام الدنيوي انخراط بالدنيوية كان جار على قدم وساق في المجتمعات الاسلامية, وهذه الدنيوية ربما كانت سببا من أسباب بروز أقلية متطرفة اسلاميا رافضة, لا اريد الخلط هنا بين العلمنة والدنيوية, لأن العلمنة تطالب بفصل الدين عن الدولة, وترفض أي دستور ينص على دين الدولة, او دين رئيسها, وان الدساتير والقوانين يجب ان تكون مرجعيتها وضعية, وهذا ينسحب على حقوق الانسان- حقوق الفرد الفردية والعامة- ومن دون ان ننسى ان هذا الفصل مرفوض من قبل الطرفين: أن المطالبة باعطاء ملمح ديني للدولة, أو باعتماد قوانين الشريعة الاسلامية مصدرا للتشريع هي مطالب دنيوية تخص اللحظة, والرؤية الدنيوية لمعتنقي التيارات الاسلامية المنادية بذلك, وهذه الرؤية التي ليست خارج التفاصيل اليومية للحالي وللعملي وللمعاش, بما فيه من مصالح وموازين قوى واشتراطات متنوعة اقتصادية وسياسية وثقافية ودولية في سورية, يضاف إلى ذلك قضية تراكم تطييف النظام في عمق المجتمع السوري, ما أعطى أيضا مادة أضافية للشقاق على المستوى الوطني, بين التيارات الاسلامية والتيارات السياسية والفكرية الأخرى من جهة, ومن جهة اخرى داخل كل جهة على حدة, حيث أن داخل التيارات الاسلامية هناك أيضا خلافات على طبيعة الدولة المقبلة, مدنية او دينية, وكلاهما كما سبق وأسلفنا هي رؤى تاريخية ودنيوية, وأيضا حول طبيعة التعاطي مع الحلول المستقبلية للإشكالية الطائفية, مثلا يؤكد التيار الإسلامي المستقل دعوته المتظاهرين إلى نبذ الطائفية ويشكرهم على التزامهم بذلك, فإنه يدعو قوى المعارضة إلى التنبه وعدم الوقوع في أفخاخ النظام وإشاعاته حول وجود خطف طائفي صادر عن المتظاهرين, فالأولى التثبت من وقوع هذه الحوادث قبل تقديم بيانات الاستنكار مجاناً للنظام, وما ينبغي أن تسهم المعارضة في خلط الأوراق,

ولا أن تكون سيفاً في صدر الثوار, وهذا لا يمنع من التنبيه إلى الأخطاء واستنكار ما يستحق الاستنكار, ولكن بعد التأكد, وليس لمجرد فبركات إعلامية من جهة أخرى يرى "الملتقى الإسلامي السوري الأول" الذي عقد في اسطنبول وجمع معظم التيارات الإسلامية في سورية, وأهمها "الإخوان المسلمون" والتيارات السلفية والصوفية والإسلامية الوسطية, ممثلين بشيوخ ورجال دين, أبرزهم مراقب عام "الإخوان المسلمين" رياض الشقفة, والشيخ زين العابدين سرور, وعدنان العرعور, ومحمد علي الصابوني, والشيخ عصام العطار, إضافة إلى أسماء رجال دين لهم وقعهم في المجتمع السوري. وقد صدر في نهاية الملتقى الذي امتد على مدى يومين في اسطنبول في المنتصف الثاني من شهر يناير الماضي, بيان تطرق إلى الأهداف التي عقد من أجلها, وأهمها, تأييد الثورة السورية, وتبني مطالبها المشروعة, وعلى رأسها إسقاط النظام بكل رموزه, وعدم الحوار معه, وطالب المجتمعون المجتمع الدولي بالعمل على حماية المدنيين السوريين بشتى الطرق الممكنة والمشروعة. ومطالب الثورة التي عبر عنها دائماً هي دولة قانون وديمقراطية وحقوق إنسان, كمحصلة جمعية لأهداف الحراك الثوري عموما,

ما يجب التوقف عنده هنا في هذا القرار هو مطالبة كل التيارات الاسلامية في سورية, المجتمع الدولي بالتدخل بشتى الطرق من أجل حماية المدنيين, هذه تعتبر نقلة في تفكير التيار الاسلامي في المنطقة, ويعبر عن نظرة مختلفة عما كان سائدا في السابق في التيارات الاسلامية عموما, وهي النظر الى المجتمع الدولي من طاقة معاداته للاسلام..وبالتالي لا توجه مطالبة للمجتمع الدولي من هذه التيارات بالتدخل في قضية كهذه. كما أننا نلمح أن هناك اتفاقاً شبه كامل بين كل الخلفيات الاسلامية المنخرطة في الثورة على طلب الحماية الدولية, رب اعتراض يقول أن هذا الطلب هو نتاج للضعف الذي تشعر به هذه التيارات, في الداخل السوري, إذا كان هذا الكلام ينطبق على جماعة الإخوان المسلمين لكثرة ما تعرضت له من اعتقالات وتصفيات أدت إلى اقتلاعها من جذورها على مدار ثلاثة عقود منذ نهاية مجزرة حماة1982 لكنه لاينطبق أبدا على أكثرية الشخصيات الشبابية وغير الشبابية المساهمة في الحراك في الداخل والتي عبرت منذ انطلاق الثورة من حوران عن رؤية مدنية للثورة واهدافها وحركتها, إذا يمكننا القول ان تعدد تيارات الفكر الاسلامي جعلنا نختار العنوان لهذه المادة, وهذا التعدد هو دنيوي وطبيعي, وهذا تعبير أيضا عن ضعف حضور الجمود العقائدي لمجمل هذه التيارات, وانها عموما تنظر بعين الدنيا المعاشة الآن وفي هذه اللحظة, لهذا نجد الهجوم على التيارات الاسلامية في هذه المرحلة يجانب الصواب لجهة أن المهاجمين عموما لايزالون يعتمدون في هجومهم, على ثوابت مسبقة,

لم يتزحزحوا عنها, رغم ان هناك تغيرات جرت على مستوى العالم, وانعكست على الثورة السورية ومن اهمها تبعا لموضوعنا نقول فرضيتنا التالية لو كانت جماعة الاخوان المسلمين في سورية قوية الحضور التنظيمي على الارض كما هي الحال في مصر وتونس مثلا, لكان الغرب تعامل مع الثورة, بشكل اقوى, على عكس ما ينظر علمانيو اللاثورة, وهذه إحدى المفارقات العجيبة الآن بالوضع السوري, الغرب يدرك توحد التنسيقيات والحركة الشبابية في الحراك الثوري, ويدرك حضور ثقافة إسلامية معتدلة ومنفتحة على الدنيوية لكنها تيارات وتجمعات تفتقد لتنظيم يشكل ضمانة لما بعد الأسد, وهذه القضية حاول المجلس الوطني التنطح لها وفق أم لم يوفق هذا متروك لحركة التاريخ اليومي يقال في مصر أن الضامن للثورة كان منذ البداية بعد مبارك, هم العسكر من جهة والمعارضة اليسارية الضعيفة نسبيا مع تنظيم الإخوان المسلمين القوي من جهة اخرى في سورية ما لدينا الآن: جيش ذات بنية خاصة لم يقف مع الشعب, ومعارضة لايوجد فيها تنظيم قوي, وإنما ائتلاف قوى لاتزال غير قادرة على التماسك التنظيمي والمؤسسي محاولات المجلس الوطني واضحة في هذا الاتجاه لكنها حتى اللحظة غير كافية لأسباب موضوعية وذاتية لكن لابديل عنها الآن إن حضور الدين في الثورة مكانا عبر المسجد وثقافة عبر الحراك, ودافعا قويا شاء من شاء وأبى من أبى لخروج الناس وهم يعرفون انهم مشاريع شهداء, والشهادة لديهم هي تقربا من الله, لكن الأمر الاسلامي هنا جامع صحيح على المستوى العقيدي الفردي, لكنه لم ينعكس هذا الجامع الثقافي على المستوى السياسي, اي عجزت التيارات الاسلامية عن التمدد التنظيمي لتشكل احدى الحاضنات للفترة الانتقالية,

ولهذا اسبابه الذاتية والموضوعية في الواقع لن نتطرق إليها الآن, الغرب إذا يعاني في سورية من عدم وجود تنظيم إسلامي مدني له حضوره على الارض وليس العكس كما يتوهم بعض العلمانيين, وبعض مهاجمي المجلس الوطني لأنه يحوي أكثرية إسلامية المجلس يحوي أكثرية ذات ثقافة إسلامية متنوعة, لكنها أيضا تيارات وشخصيات مستقلة, ان الغرب لايدعم المجلس أو لايدعم الثورة لانها ذات حضور إسلامي, ابدا العكس هو الصحيح من الزاوية التي تطرقنا اليها هنا, القوى اليسارية عموما لم تستطع ان تكون نواة حتى لحاضن انتقالي من هذه الحواضن, ومعها القوى الليبرالية والقومية..حتى على المستوى القومي الكردي المسألة نفسها, وللحديث بقية, هذه المادة هي تكثيف لمادة أوسع اعمل عليها, لكنني أحببت ان أشارك القراء بهذا الحوار ربما يغني هذه المادة.  

السابق
مشاكل حماس
التالي
الاخبار: سليمان: الجيش يحظى بغطاء سياسي لعمله ؟