هل سيضيف مهرجان 14 شباط جديداً؟

من الأخطاء التي تُرتكب غالباً، ليس عن سوء نيّة طبعاً، إعطاء محطات سياسية أحجام وأوزان تنعكس سلباً على الحدث نفسه، من قبيل أنّ "ما قبل هذا المهرجان غير ما بعده"، وأنّ "هذه الذكرى ستشكّل تحوّلاً في مسار الأحداث الداخلية"، وإلى ما هنالك من توصيفات وعناوين لا تعكس واقع الحال، فيما الإصرار على إحياء الذكرى، أي ذكرى، هو الحدث بحدّ ذاته، لأنّه يجسّد حرص هذا الفريق على مخاطبة جمهوره والتواصل معه وإشعاره أنّ هذه المناسبة التي اعتاد على إحيائها ليست تفصيلية أو عابرة في مسيرته النضالية، إنّما مهمّة من زاوية تعلّقها بمنطلقاته وارتباطها بوجدانه وتشكيلها تأكيداً على تمسّكه بالتزاماته وأهدافه…

ومن هذه الزاوية بالذات يأتي إحياء قوى 14 آذار للذكرى السابعة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، لأنّ خلاف ذلك، ولو تحت أيّ عنوان، كان سيعني تخلّياً من هذه القوى عن منظومة قيم ومبادئ. ولكن لن يخرج هذا المهرجان، في المقابل، عن السقف المتوقّع له، لجملة اعتبارات أبرزها:

أولاً، لأنّ الحدث الفعليّ في سوريا وليس في لبنان، وكلّ القوى السياسية ضبطت توقيتها على الساعة السوريّة، وهي تترقّب ما ستؤول إليه الأوضاع هناك.

ثانياً، لأنّ لا نيّة لدى قوى 14 آذار بالدعوة إلى إسقاط الحكومة في الشارع، أو استخدام هذا الشارع تجديداً لثورتها.

ثالثاً، لأنّ قوى 14 آذار لا تمتلك "برنامجاً مرحلياً" أو خارطة طريق لما بعد سقوط النظام السوري تتعهّد بتنفيذها أمام جمهورها، والمقصود بالبرنامج ليس فقط الالتزام بالدستور والقرارات الدولية ودور لبنان وغيرها على أهميتها، إنّما الدعوة، على سبيل المثال، إلى انتخابات مبكرة وإسقاط السلطة ومؤتمر وطني…

رابعاً، لأنّ قوى 14 آذار لن تطلق أيّ مبادرة سياسية عملية لا نظرية، بمعنى أنّه في حال عدم تجاوب الفريق الآخر ستلجأ إلى هذه الخطوة أو تلك…

خامساً، لأنّ أدبيّات الخطابات السياسية التي ستُلقى في الذكرى لن تخرج عمّا هو مألوف ومعروف ومكرّر في أكثر من محطة ومناسبة.

وإذا كان هذا المهرجان لن يضيف جديداً انطلاقاً من الاعتبارات المشار إليها، إلّا أنّ هذه الاعتبارات تؤشّر إلى نضج ووعي سياسيين، لأنّ الحراك الداخلي لن ينتج عنه تغييراً أو تبديلاً في المعطيات والتوازنات السياسية الداخلية، لا بل يؤجّج هذا الحراك الصراع الداخلي بما يخدم المخططات السورية ومن دون أيّ أفق، فيما سقوط النظام السوري كفيل لوحده بتبديل هذه التوازنات أو بدء العد العكسي لتغييرها.

وما لا يجدر إغفاله أيضاً أنّ أهمية هذه الذكرى هي في مشهديّتها، إن من زاوية إعطائها الدفع مجدداً للرأي العام الاستقلالي، أو لناحية إطلاقها الرسائل السياسية انطلاقاً من "أرضيّة" 14 آذارية تجمع كلّ مكوّنات هذه القوى التي ستبعث برسالتين أساسيتين: الأولى إلى الداخل اللبناني ومفادها أنّها ما زالت وستبقى موحّدة تحت عنواني "لبنان أولاً" و"الدولة أولاً"، والثانية إلى الشعب السوري بأنها تناصره في ثورته من أجل الديموقراطية التي وحدها تعيد سوريا دولة طبيعية ضمن محيطها العربي، وتؤسّس لعلاقة سوية من دولة إلى دولة كما أكد البيان-الوثيقة لـ"المجلس الوطني السوري".

يبقى أنّ 14 شباط، كما 14 آذار هي من المحطات المؤسّسة للاستقلال الثاني والتي تحرص القوى الاستقلالية على إحيائها وصولا إلى تثبيت هذا الاستقلال وجعله ناجزاً، وهي بخلاف قوى 8 آذار، لا تخجل بمحطاتها التأسيسية، من محطة "شكراً سوريا" في 8 آذار إلى وثيقة التفاهم في 6 شباط استبدالاً لوثيقة الوفاق الوطني، وهذا إن دلّ على شيء، فعلى أنّ هذه القوى تدرك في قرارة نفسها أنّ مناسباتها تدعو فعلاً للخجل…  

السابق
النظام السوري
التالي
نهر الحاصباني..ضحية بيئية جديدة