مافيا المولدات.. تجّار فوق القانون يفرضون تسعيرة مرتفعة والمواطن يئن بصمت ؟!

رغم رصّ الصفوف الوزارية لمواجهة مافيا مولدات الكهرباء، تزداد معاناة المشتركين من ارتفاع التسعيرة المفروضة عليهم على امتداد الأراضي اللبنانيّة. احتيالٌ والتفافٌ على القانون وتعمية سترفع أعمال هؤلاء التجّار فوق المعدّل المقدّر، وهو 1.7 مليار دولار سنوياً، بأشواط

مع انطلاق عام 2012، اكتشف المشتركون في المولدات الخاصّة أنّ ميزانيّاتهم المخصصّة للكهرباء الرديفة ستكون أكثر ثقلاً، لدرجة قد تؤثّر في خططهم للعام الجديد. يعاني هؤلاء في مختلف المناطق بانتظار آلية وزارية مرتقبة لكبح جنون أصحاب المولّدات، في ظلّ تراجع حاد في التغذية الكهربائية الرسمية؛ وقد قارب العجز أخيراً 50%.

البداية من عاصمة الشمال، حيث توحّد أخيراً قرار أصحاب المولدات على رفع التعرفة رغم بعض التفاوت بين الأحياء. وقرّر هؤلاء رفع بدل الاشتراك الشهري لكلّ 5 أمبير من 85 ألف ليرة إلى 120 ألف ليرة. ومع تخوّفهم من عدم قبول المشتركين هذا التغيير حاولوا استدراج البلدية لإصدار بيان يؤيّد القرار، مقابل تأمين التيار 24/24، إلّا أنّ موقف البلدية كان «النأي بالنفس» وترك أصحاب العلاقة يتفاهمون على ما يناسبهم.
وبحسب أصحاب المولّدات، فإنّ قرارهم يعود إلى ارتفاع أسعار المحروقات، غير أنّ أنّ أحدهم أوضح لـ«الأخبار»، أن «ما دفعَنا إلى رفع التعرفة هو تراجع المازوت المهرّب من سوريا، الذي كان يصلنا بأسعار أقل من المازوت المحلي».
ومن الفيحاء إلى عكار، حيث يكتوي «الأهالي» بنار التقلب الجنوني لفاتورة المولدات الكهربائية. ويُلاحظ أنّ تسعيرة اشتراك بقدرة 5 أمبير تراوح بين 100 ألف ليرة في المولد التعاوني المعتمد في بلدة جبرايل مثلاً، إلى175 ألف ليرة في القبيات. واللافت هو أنّ بلدية هذه البلدة حسمت الجدل الدائر بين الأهالي والتجار، حيث رفعت لافتات تحدد السعر بـ800 ليرة لكلّ ساعة تغذية. لا يرقى هذا الحل إلى حسابات وزارة الطاقة، لكن بحسب رئيس البلدية عبدو عبدو هناك صعوبة مزدوجة في ضبط فاتورة المولدات؛ الأولى هي إقناع أصحاب المولدات بقبول هذا الرقم، والثانية إقناع الأهالي بعدم الدفع دفاعاً عن مصالحهم، وعدم الاكتفاء بالتذمّر. وقد طلب الأهالي من التجار تركيب العدادت، غير أنّ الأخيرين أصرّوا على تسعير الكيلوواط بـ900 ليرة. فكان أن التزم قسم من المشتركين بالتسعيرة، إمّا خشية من قطع مزوّديهم التيار عنهم «لعدم اكتراثهم بقرار المجلس البلدي»، وإمّا لاعتبار أن فارق المئة ليرة لا يستحق «سواد الوجه». مع العلم أنّ قسماً آخر امتنع عن الدفع متسلحاً بقرار المجلس البلدي.

ومع الوصول إلى بيروت يُمكن التغاضي عن الحرم الإداري للعاصمة، حيث يتمتّع السكان بتغذية تبلغ 21 ساعة يومياً طبقاً لقرار صادر منذ أيام رفيق الحريري، وجدّدته حكومة فؤاد السنيورة. غير أنّ ضواحي المدينة تعاني ظواهر احتيالية غريبة، إذ يعمد أصحاب المولّدات في بعض المناطق المتداخلة إلى الاحتيال الجغرافي للحصول على أعلى مردود. أحد الأمثلة عن ذلك السلوك ما يحدث بين بعبدا والحدث، حيث تختلف التعرفة بقيمة 100 ليرة لكلّ كيلوواط ساعة ـــــ أي بنسبة 25% على أساس السعر المعياري المحدد بنحو 400 ليرة للكيلوواط. فإذا كانت التعرفة اعلى في بعبدا، يعمد التجار في الحدث إلى التسعير وفقاً لمعايير جيرانهم، والعكس صحيح! «ولا يُمكننا الاستفسار لأنّ رقم صاحب المولّد دائماً خارج الخدمة!» يقول أحد المقيمين في تلك المنطقة.
وفي الواقع، حدّدت وزارة الطاقة والمياه التعرفة لشهر كانون الثاني 2012، بـ400 ليرة لكلّ ساعة تقنين بقدرة 5 أمبير، و800 ليرة لقدرة 10 أمبير. وذلك في إطار آليّة تعاون مع وزارتي الاقتصاد والتجارة والداخلية والبلديات، تنص على تركيب عدادات على جميع المولدات المنتشرة على الأراضي اللبنانية، لتحديد بدل الاشتراك طبقاً لسعر المازوت، الذي تُحدّده وزارة الطاقة، على أن تُجري مصلحة حماية المستهلك الرقابة اللازمة وتتلقى الشكاوى.
غير أنّ هذه الآلية لم تر النور بعد، بانتظار حصول الداخلية على جداول المولّدات في جميع القرى والبلدات وأحياء المدن، وتركيب العدادات وإلى آخره… وما يزيد الطين بلّة هو أنّ السياسيين يصنّفون أصحاب المولّدات بأنّهم مافيا تُمسك المشتركين من رقابهم، بعد 20 عاماً من غياب الاستثمارات العامّة لزيادة الإنتاج الكهربائي، وفي ظلّ وصول العجز إلى حدود 50% في بعض الأحيان.
ومن العاصمة وضواحيها إلى صيدا، تعاني المدينة تقنيناً قاسياً لكهرباء الدولة، وتعاني مافيا المولدات أيضاً. وهناك ما يزيد على 100 مولد اشتراك لا يزيد عدد مالكيها على عدد أصابع اليدين، يتوزعون النفوذ وبسط السيطرة على الأحياء والشوارع، ولا يسمحون بدخول منافسين او باختراق أحدهم لمناطق نفوذ الآخر.
يفرض هؤلاء تسعيرة باتت منذ 5 أشهر تخضع لزيادة دورية «فلا تستقيم التسعيرة شهرين متواصلين»، بحسب المواطنين في المنطقة. وقد أُعلم هؤلاء في بداية شباط المستوى الجديد لـ«بورصة التسعيرة»، كما يسميها البعض: أضحت كلفة اشتراك بقدرة 5 أمبير 120 ألف ليرة.
ورغم الاجتماع الأخير الذي عُقد في بلدية المدينة، والتوافق على «تأليف لجنة مشتركة من اتحاد بلديات صيدا ـــــ الزهراني للتعاطي بجدية مع أصحاب المولدات الكهربائية، لجهة ضبط التسعيرة وساعات التغذية بالتيار الكهربائي بكلفة مقبولة»، يبقى التجار يُغنّون على ليلاهم، لجهة التسعيرة وساعات التغذية؛ «هل هم فوق القانون؟» يسأل أحد قاطني بوابة الجنوب. «لماذا لا تنظم الدولة عمل المولدات وتحدد الشروط، وتتحكم هي في التسعيرة؟».
وقد تكون الأوضاع أرحم نسبياً في منطقة الزهراني، فالتعرفة واحدة تقريباً بين مختلف القرى، مع تفاوت بسيط. ويبلغ معدّلها 75 ألف ليرة لقدرة 5 أمبير، مع العلم أنّه خلال الفترة الماضية زاد التقنين من جانب أصحاب المولّدات تحت حجّة أنّه لم يعد بالإمكان تأمين التيار في ساعات انقطاع «كهرباء الدولة». قد تصحّ الحجّة لدى البعض، لكن البعض الآخر يستغلّون هذا الوضع لزيادة ساعات الانقطاع على نحو حاد.
لكن مع حط الرحال في صور، تعود بورصة «الاشتراك» إلى الارتفاع لتبلغ تسعيرة 5 أمبير 185 ألف ليرة. وبحسب محمد حرقوص عضو المجلس البلدي في مدينة صور، الذي تولّى التنسيق مع أصحاب المولّدات في شأن التعرفة، هناك التزام صارم من جانب أصحاب المولّدات بتعرفة البلدية. التزام ليس مستغرباً نظراً لأنّه لمصلحتهم 24/24! 

السابق
روسيا والأسد.. قبلة الوداع!
التالي
نقولا نحاس: أتمنى على عون الخروج من أجواء الإنفعالات والتشرذم