عندما يتكلّم الجيش.. فليصمت المستغربون

«نريد» جيشاً قوياً»، «نريده وطنياً»، «على الجيش ضبط الحدود»، «من واجبات الجيش بسط سلطته على كلّ الأراضي اللبنانية».. عفواً، وليذكّرنا أي لبناني، سياسياً كان أو مواطناً عادياًَ لا شأن له في السياسة ولا باع، أليست هذه العبارات مختصراً لمطالب «النقّاقين» في لبنان؟ ألم ترد هذه المطالب وتتكرر في كلّ تصريحٍ أو مؤتمرٍ صحافي، أو لقاءٍ متلفز، أو حديث إلى جريدة، احترفها بعض من جعلتهم الصدف حيناً، والمؤامرات حيناً آخر، نوّاباً ووزراء، وفُرِشت لهم أرض «الإعلام» سجاداً أحمر، لكنه ليس بأعجمي، كون بلاد العجم لا يستسيغونها في هذه الأيام؟
كم من تصريحٍ صدر من أفواه هؤلاء، بمناسبةٍ أو من دونها، ليطلقوا العنان لمطالبهم من الجيش اللبناني، متذرّعين بالوطنية، وبأنهم يريدونه الأقوى، والممسك بـ«الاستراتيجية الدفاعية»، وبوجوب أن يكون جيش لبنان، كل لبنان؟ فـ«شو عدا ما بدا»، كي ينقضّ هؤلاء، بمناسبة أو من دونها، على الجيش ذاته، عندما يفعل واجباته المنوطة به بالضبط؟ فهل يريدونه جيشاً على مقاساتهم «اللاوطنية»، ويؤدي واجبات هم يحدّدونها، ويعتكف عن تنفيذ أخرى يرونها ثانوية، ويغطّي على تجاوزات وإخلال بالأمن الوطني عندما تدينهم هم هذه التجاوزات؟
تناول الجيش في وطنيته وفي أدائه ليس بجديد، فكم من مرّةٍ تناوب نوّاب «14 آذار» ووزراؤه على ذلك، فما يكاد يصمت نائب، حتى يصرّح وزير، وكأن الجيش الوطني، مطيّةً لمآربهم الضيقة، المرتبطة جهاراً بمآرب خارجية، ذات رائحة أميركية وحتى صهيونية.
قبل أيام، أثار النائب العكاري، خالد الضاهر، الذي لم «يضهر» (بالعامية بمعنى يخرج) بعد من تورّطه المباشر أو غير المباشر في مجزرة حلبا، مسألة تدخّل الجيش اللبناني في قمع تهريب الأسلحة إلى سورية عبر وادي خالد، معلناً «استغرابه» من نشر معلومات كهذه، مدّعياً أن الوادي الفقير يعيش بهناءٍ وسلام، وأن السلاح لا يهرّب، وأن «المجموعات اللبنانية» التي تدخل سورية وتشارك في عمليات ضد الجيش السوري إلى جانب المجموعات الإرهابية لا وجود لها، متّهماً «8 آذار» بأنه «يريد تسخير الجيش خدمةً للنظام السوري، وأنه يريد وضع الجيش في صراع مع فريق «14 آذار» وتوريط لبنان بالأزمة السورية»، معتبراً أن «العملية الأمنية التي نفّذها الجيش اللبناني في جبال منطقة «الرامي» جاءت لإعطاء صورة سلبية عن المنطقة، وتبرير ذلك تجاه السوريين».
 
وليس الضاهر وحده المستغرب، فإن ما صدر أمس عن اجتماع كتلة نوّاب «المستقبل» يشاركه هذا «الاستغراب» الغريب، يعيد «الموّال» ذاته في ضرورة نشر الجيش على الحدود الشمالية بين لبنان وسورية، لكن المطلوب من الجيش بحسب «المستقبليين» ليس وقف تهريب الأسلحة، ففي وادي خالد جلنار وياسمين، وليس وقف مشاركة بعض اللبنانيين المرتبطين بهم في عمليات عسكرية في الداخل الشامي، فشباب وادي خالد لا يؤذون نملة، إنما المطلوب من الجيش، أن «يحمي القرى اللبنانية من الجور السوري».
عجبي ولكن!
هو الجيش اللبناني أيها المستغربون، هو جيش الوطن، شئتموه هكذا أم أبيتم، هو شريك المقاومة، والحارس الأمين، وتاج رأس كل مواطن، وعندما يتكلم، فليصمت «المستغربون»، وليكفّوا عن تناوله في ترّهاتهم التي لم تعمّر وادي خالد ولم تطعم جائعيه ولم تغنِ فقراءه.
أمس، تكلّم الجيش، وأعلن جهاراً أنه واصل تنفيذ تدابير أمنية استثنائية لمكافحة أعمال التسلّل والتهريب من كل الاتجاهات ومنع المظاهر المسلّحة والتعدّيات على المواطنين، وأن قواته الباسلة ضبطت كميات من الأسلحة والممنوعات والبضائع المهرّبة، كما أوقفت عدداً كبيراً من المهربين والخارجين على القانون والمطلوبين إلى العدالة بجرائم مختلفة، وأنها سلّمتهم مع المضبوطات إلى القضاء المختص.
أمس، قال الجيش كلمته، معلناً أنّ توقيت عملياته يقرره هو، وأن إجراءاته الأمنية وأمكنتها وتفاصيلها تقع في صلب مسؤوليته واختصاصه، وأنّ وجوده في كلّ أرجاء الوطن هو حالة طبيعية جداً.
كيف يمكن لـ«استغراب» الضاهر والمستقبليين أن ينكروا ما يجري في وادي خالد؟ وكيف لهم أن ينفوا تورّط فيصل موسى بتهريب الأسلحة من بنادق آلية وقواذف آر بي جي وحشواتها وذخيرة ومخدّرات إلى تل كلخ السورية؟ لا بل كيف لهم أن ينكروا ادعاء المحكمة العسكرية اللبنانية بشخص معاون المفوض الحكومي القاضي داني الزعني على بلال عبد الكريم إمامي، وجهاد محمد صالح، وحسين محمد خنجر في جرم تأليف عصابة مسلحة والاتجّار بالأسلحة الحربية وتهريب السلاح الى سورية؟ وللمعلومات فقط أن الموقوفين الثلاثة هم من الذين قبض عليهم الجيش خلال عمليته الأخيرة في وادي خالد ومرتفعاته، وأن بلال عبد الكريم إمامي، هو من أصحاب السوابق ومطلوب من قبل القضاء، وفي حقّه عددٌ كبير من مذكّرات التوقيف.
هكذا يستغرب كل من يشكّك في وطنية الجيش، عبر التهجّم عليه، وتصوير عملياته كأنها تطاول الآمنين والهانئين في قراهم، لكن، عندما يتكلم هذا الجيش، فإنه يقرن كلامه بالوقائع والأسماء وكل النقاط على كل الحروف. فيكون كلامه فيصلاً، يتهاوى لدى النطق به أيّ كلام آخر. 

السابق
تشكيك بـ؟؟؟
التالي
بري العارف بالخفايا لا يجد اللحظة