اللواء: الأزمة الحكومية لم تَنتُج عن قراءات دستورية متناقضة أو تنازع صلاحيات بل من إنعدام الثقة

لا يخفى على أحد ان الأزمة الحكومية الحالية ليست ناتجة أبداً عن قراءات دستورية متناقضة، ولا عن تنازع للصلاحيات، ولا تمايز في اختيار المتقدمين إلى التعيينات، بل هي تؤشّر إلى انعدام ثقة بين مكونات الفريق الحكومي من جهة لينسحب ذلك على الاصطفاف السياسي القائم بين فريقي 8 و14 آذار، وحيال ذلك بات من الملح البحث في سيناريوهين اثنين للخروج من هذه الدوامة.
السيناريو الاول يتطلب جلسة هادئة بين طرفي النزاع الحكومي الرئيس نجيب ميقاتي والعماد ميشال عون لوضع تصور مشترك حول ان اي استكمال لانتاج حكومي يتعلق بأمور الناس يجب ان لا يأتي من منطلق ما أريده أنا أو ما تريده أنت، بل من منطلق ما نريده معاً للمصلحة الوطنية العليا.
ومن واجب هذه الـ «نحن معاً» ان تضع جانباً ما يطفو على السطح من كلام عن حالة مسيحية او حالة سنيّة او حالات أخرى شيعية ودرزية يمثلها هذا او ذاك بمعنى ان شد العصب الطائفي في هذه المرحلة دليل على انعدام وزن في بنية النظام الطائفي وفي إفلاس الخطاب السياسي.
فالحالة الوطنية هي القادرة على استقطاب الناس بقيمهم ومصالحهم، اما الحالة الطائفية فهي القادرة على استنفار الغرائز وبناء المتاريس. لذا فإن اي تصور للحل ضمن السيناريو الاول يقتضي تفادي اي شرخ مستقبلي بين مكونات هذه الحكومة على قاعدة الابقاء على الحدّ الادنى من التوازنات في هذه المرحلة الدقيقة وما يعني التوازنات يعني حتماً الاستقرار في لبنان والذي يتجلى اليوم في الخطاب اكثر منه في الممارسة.
اما السيناريو الثاني فيقتضي ان يعي كل من الطرفين المتواجهين ان لا مصلحة لكل منهما في الابقاء على الشلل في البلد، ووضع حساباتهما كل على حدة والتعالي على المصالح الضيقة، والمبادرة إلى التفكير في أن حكومة انتقالية هي المخرج الوحيد على ان تتسق هذه الحكومة الانتقالية و هموم الناس ومتطلبات المرحلة وتؤمن لهما ولباقي الافرقاء اللبنانيين امكانية الاستعداد للانتخابات النيابية بشكل فعّال.
والحكومة الانتقالية يجب ان تكون حكومة خبراء بكل معنى الكلمة وهذا لا يعني رمادية في السياسة بل قدرة على ابتداع التسويات ومخاطبة كل الافرقاء وتأمين مصالح كل الناس والحديث مع سوريا والعالم العربي ومع سوريا والمجتمع الدولي وهنا يدخل التلاقي بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي حول الحديث عن الحياد الايجابي للبنان، وقد بارك ذلك ايضا رئيس الجمهورية في مواقفه في الفترة الاخيرة.
فالوزراء الخبراء هم القادرون ليس فقط على الترقيع المرحلي للمشاكل الأنية بل هم قادرون على صياغة ملفات وبناء رؤية للسنوات المقبلة في كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والانتاجية والتربوية والسياسية حتى والدبلوماسية ما قد يؤمن بعد الانتخابات امكانية عمل بالاستناد إلى خطة وطنية متكاملة تحمي لبنان من الاهتزازات وتؤمن استقراره.
ولا ضير في أن تفتح حكومة الخبراء النقاش جدياً حول بنية النظام اللبناني وما تريده من السياسات الاقتصادية – الاجتماعية ومن اللامركزية ومجلس الشيوخ ومن قانون الانتخابات بما يعني تجاوز الخطوط الحمر الترقيعية والدخول جدياً في مستلزمات استكمال تطبيق اتفاق الطائف.
وفي رأي مصادر سياسية متابعة ان القادر على تسويق مثل هذا الطرح حتماً ليس الطرفان المتصادمان بل البطريرك الراعي والرئيسين سليمان وبري وبعض الحكماء لدى كل الاطراف سياسيين كانوا أم روحيين، بما يعني ان تكون الحكومة الانتقالية قناعة لدى الجميع لا كسراً لطرف في مقابل الطرف الآخر.

وفي ظل غياب رعاية عربية أو دولية لانشغالات كل منهما في الحدث السوري الذي بلغ ذروة التطور والخطورة فلا شك ان المرجعيات الروحية يجب ان تبادر إلى كسر محرمات الدخول في السياسة ودق ناقوس الخطر ووضع الجميع امام مسؤولياتهم، وتفرض هي على كل القيادات السياسية تفكيراً جدياً بحكومة انتقالية، وليطرح على النقاش اكثر من اسم لكل حقيبة وزارية ويفتح امام الرأي العام نوع من المناظرات العلنية بين مرشحين او ثلاثة وليتقدم كل منهم إلى الرأي العام بمشروعه، وليطرح من ثم على استفتاء بالحد الادنى ضمن مجموعة مؤسسات تعنى باستقصاءات الرأي ويُختار الافضل.
إننا نستطيع ان نقوم بهذه التجربة ان وعت قيادات الصف الاول ان الانتخابات النيابية المقبلة تتطلب خروجاً من السلطة وادارة معركة استقطاب الناس بقرب الناس لا من القصور ولا من المنابر النارية، بل من حيث القدرة على بلورة استراتيجيات تواصل مع الرأي العام لا يكون فيه النفوذ والزبائنية والاستزلام عنصراً مؤسساً بل تكون فيه الغلبة لرأي سياسي يأخذ بعين الاعتبار الابعاد الاقليمية والدولية المتداخلة.

ان البعض قد يرى في هكذا طرح في المرحلة الراهنة حيث لا مكان فيه للخطاب العقلاني الذي اطيح به من قبل شد العصب الطائفي والمذهبي، نسج من الخيال، وأنه من الصعب مجرد التفكير في مثل هكذا خطوة حيث الجميع يعلم كم يأخذ تأليف الحكومة اي حكومة من وقت وشد حبال وعض اصابع ووضع اليد على القلوب وحبس الانفاس وعندما يجلس اعضاؤها إلى الطاولة تدب الخلافات ويتمترس كل فريق وراء مصالحه ومصالح طائفته ومذهبه وذلك بفعل النظام الطائفي المقيت الذي ينخر الجسم اللبناني حتى العظم.
انه لمن العبث مجرد التفكير في الوصول إلى مرحلة لا مكان فيها الا للذين لا يضعون نصب اعينهم بناء الدولة واحترام كرامة الانسان، ما دامت الطائفية السياسية هي العنوان لأي عمل سياسي او غير سياسي.  

السابق
رئيس جمهورية احلام لبنان
التالي
صراع الدول