تنويم ميقاتي لحكومته انحناءة متعمّدة

بدا الواقع السياسي اللبناني أشبه بـ «مشهد سوريالي» تختلط فيه الغرابة بالرمزية … ففي اللحظة التي يعلو «الصراخ» في سورية ومن حولها قررت الحكومة اللبنانية وعن سابق تصور وتصميم الدخول في «غيبوبة» طويلة رغم الأخطار الـ «ما فوق عادية» التي تحوط بلبنان من جراء الإنفجار السوري وعلى نحو غير مسبوق منذ 11 شهراً.
فالحكومة اللبنانية «خارج السمع» وقواها الأساسية تلهو في عمليات «الاستطلاع» لفرض «تطبيع» العلاقات بين مكوناتها، وسط إنطباع بوجود قرار «خفي» بشل الحكومة ووضعها في الثلاجة لإمرار وقائع تتصل بالملف السوري من جهة وبالمحكمة الدولية من جهة اخرى، وعبر «تواطؤ» يشبه الانحناء امام العاصفة.
فبيروت، الأندية والناس، بدت مرتابة من تزامن قرار تجميد الحكومة وتعليقها مع وقائع لاهبة في المنطقة، وتحاول تقصي ابعاد هذا «الهروب الى الأمام» في لحظة الاشتعال السياسي والديبلوماسي في الأزمة السورية التي دخلت طوراً جديداً مع عمليات الاقتحام لحمص و«أخواتها».
فرغم الاهمية التي توليها بيروت الرسمية لزيارة الوفد الروسي الرفيع لدمشق اليوم والإجتماع المرتقب في الرياض لوزراء خارجية «التعاون الخليجي»، والصيحات الدولية المنددة بـ «الفضيحة الانسانية» في سورية، والتقارير المتوالية عن عدد القتلى في حمص وسواها، فإنها تتصرف وكأنها «خارج الزمان والمكان».
وقالت اوساط واسعة الاطلاع لـ «الراي» ان الحكم اللبناني ربما تعمّد «تنويم» الحكومة في انحناءة امام العاصفة السورية التي «لا صوت يعلو فوق صوتها»، اذ تبدو التبريرات المعلنة لتعليق جلسات مجلس الوزراء كاريكاتورية وغير مقنعة.
وتنتظر الدوائر المراقبة في بيروت إطلالتين على جانب من الاهمية، واحدة للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله اليوم، وثانية لرئيس الحكومة السابق، رغيم «تيار المستقبل» سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده في 14 الجاري، كونها الاكثر تعبيراً عن «الحال اللبنانية» اللصيقة بما يجري في سورية.
وعلمت «الراي» ان نصرالله سيتطرق في كلمته اليوم الى الوضع في سورية في ضوء الموقفين الغربي والعربي وما أملاه الفيتو الروسي ـ الصيني من وقائع جديدة، إضافة الى تأكيده على اهمية الحوار على قاعدة الحاجة الى تسوية سياسية في كنف النظام وترضي المعارضة.
ويولي «حزب الله»، الذي بدا وكأنه يدير ظهره لما يجري في الداخل اللبناني، اهمية قصوى لمجريات التطورات في سورية وحولها، وهو الذي لم تتردد مصادره في الاعلان عن انه لن يسمح في إسقاط الرئيس بشار الاسد «مهما كانت أكلاف الدخول في نزاع عسكري مع اسرائيل»، في اشارة الى قرار استراتيجي بالذهاب بعيداً في حماية الاسد ونظامه.
هكذا هي بيروت «من فوق» أما «من تحت» فإنها كانت امس على موعد مع مجموعة مؤشرات لعملية «جس نبض» لإمكان إدارة محركات الاتصالات لإخراج الحكومة من «الغيبوبة» وكان ابرزها الزيارة التي قام بها ميقاتي لرئيس البرلمان نبيه بري، الذي يُعوَّل عليه لقيادة الوساطة «الصعبة» بين رئيس الحكومة والعماد عون من جهة، وسط تقديرات بان مثل هذه المهمة لن يُكتب لها النجاح اذا لم تترافق مع مساع متوازية لترميم ما امكن من العلاقة المتصدعة بين زعيم «التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية ميشال سليمان والتي تشكل بدورها الخلفية غير الخفية في «الانفجار» الحكومي الذي حصل. وعلى وقع معلومات اشارت الى ان بري لم يقتنع بضرورة التدخل او بوجود حظوظ لنجاح مثل هذا التدخل الآن، اشار ميقاتي بعد اللقاء الى انه وضع الاخير «في كل المعطيات لدي»، موضحا ان «بري يتريث ليتابع اتصالاته وفي اي موقف يمكن ان يتخذه».
وردا على سؤال اذا كان سيصار الى عقد جلسة للحكومة، اوضح ميقاتي انه «اذا تأكّدنا ان مجلس الوزراء سيكون منتجاً، حتما هناك جلسة».
وفي ما بدا ملاقاة لـ «تريُّث» بري، برزت اشارتان عكستا استمرار أطراف صراع «اهل البيت الواحد» في لعبة «مَن يصرخ اولاً»، وهما:
* التراشق بين «الميشاليْن» سليمان وعون. فبعد دعوة رئيس الجمهورية جميع الافرقاء السياسيين الى «التبصر بواقع المرحلة الراهنة واستقراء المستقبل، والعمل من خلال الحوار الهادئ والرصين على الحفاظ على السلم الاهلي وابقاء البلاد بمنأى عما يحصل حولنا»، معتبرا ان «ذلك لا يتحقق الا من خلال التحاور والتفاهم واطلاق عجلات مؤسسات الدولة بما يعيد العمل الى الانتظام العام، ويبقي كل الامور في اطار الهدوء والاستقرار المطلوبين بقوة»، خرج زعيم «التيار الحر» ليردّ على سليمان قائلاً «قلنا له ان كتلتنا كتلته ولم نر أي مبادرة أو تعليق»، معتبراً ان «من يريد أن يحمي المسيحيين يحمي مركزهم في التعيينات».
* الموقف الذي اعلنه عضو المكتب السياسي في «حزب الله» غالب أبو زينب بعد زيارته عون على رأس وفد لمناسبة الذكرى السادسة لتوقيع «ورقة التفاهم» بين الحزب و»التيار الحر».
فعلى وقع معلومات عن تكثيف التيار الوطني الحر، انطلاقاً من المتن الشمالي وبعبدا والكورة، اجتماعاته الحزبية المناطقية لاطلاق تحركات احتجاجية «ضد القوى المعطلة للتغيير والإصلاح في السرايا الحكومية وفي ملف العدل والقضاء»، اعلن ابو زينب أن «حزب الله» سيكون جنباً إلى جنب مع التيار الحر إذا احتاج النزول إلى الشارع خدمة لمصلحة لبنان»، مشدداً على أن «العماد عون لوّح بسلاح النزول إلى الشارع ليقول لهم ان هذا السلاح هو عليكم وليس معكم «ليطلعوا من هالقصة»، معرباً عن عدم استغرابه من «الهجوم على العماد عون لأنه يستطيع أن يفضح فضائحهم بصدقه».
وجاء كلام ابو زينب ليلاقي ما كان اعلنه نائب «حزب الله» علي فياض مؤيداً موقف تكتل التغيير والإصلاح من الأزمة الحكومية، إذ أكد أنه «لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يلجأ من يجب أن يكون دوره رعاية مجلس الوزارء، إلى تعطيل مجلس الوزراء تحت أي مسمى، لأن الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد لا تواجه بسياسة الضرب على الطاولة، بل بعقلية مرنة معتدلة ومنفتحة تتعاطى في أعلى المسؤولية الوطنية وتأخذ بالاعتبار كل الحساسيات السياسية وتحترم أحجام القوى السياسية والطائفية وتلتزم بالأعراف التي درجت عليها الحياة السياسية اللبنانية في سبيل أن نمضي قدماً في تسيير عجلة الدولة»، ومتخوفاً من أن «يكون لدى البعض أجندة مخفية وحسابات غير معلنة».
وفي غمرة هذه المواقف التي عكست إما عملية «رفع سقوف التفاوض» قبل بدء المحاولات الفعلية لرأب الصدع وإما الهوة الكبيرة التي باتت تفصل بين مكونات حكومة باتت في ما يشبه «الموت السريري»، ذكرت تقارير ان ما يؤخر انطلاق الوساطات اصرار فريق العماد عون على بت التعيينات سلة واحدة ولا سيما في المناصب المسيحية بما يسمح له بـ «مقايضة» اي تخلٍّ عن مركز معيّن بـ «امّ المناصب» الذي يصبو اليه وهو رئاسة مجلس القضاء الاعلى الذي يتيح له بحسب اوساط سياسية احالة ملفات ما يصفه «بالفساد» على القضاء لاضعاف خصومه السياسيين.
وكان العماد عون اتهم في حديث صحافي رئيس الحكومة «بسوء استخدام السلطة وتجاوز الدستور ولا سيما المادة 65 منه التي توجب انعقاد مجلس الوزراء في اجتماعات دورية»، معتبرا انه «لا يحق لميقاتي إلغاء الاجتماعات الدورية بهذه البساطة».
واذ نفى ان يكون هو من يعرقل اعمال الحكومة وإنتاجيتها، اشار الى ان ميقاتي يتحمل المسؤولية المباشرة عن التعطيل، «وليس الحؤول دون تعيين الشخص المناسب في رئاسة مجلس القضاء الأعلى حتى الآن سوى الدليل الصارخ على هذا المنحى التعطيلي الذي يصيب العديد من المشاريع التي نتقدم بها، الى جانب الموازنة».
ولاحظ ان ان رئيسي الجمهورية والحكومة «يتوزعان الأدوار في مواجهتي، ويتلطى كل منهما خلف الآخر، وكأن هناك «كونترا» أو اتفاقاً بينهما ضدي».
وتابع بلهجة قاطعة: نحن لا نخضع للابتزاز والخوف، وأنصح بألا يلعب أحد معنا هذه اللعبة». وسأل: «لماذا مسموح ان يقترح ميقاتي أسماء مسيحية وليس مسموحاً لنا أن نقترح أسماء سنية؟». 

السابق
الانباء: الجيش اللبناني ينفذ عملية نوعية في وادي خالدونواب الشمال ينتقدون ويحذرون
التالي
هل تخلَّت روسيا عن البرغماتية؟